قال الخطَّابيُّ: قيل: اتركوا لهم ذلك ليتصدَّقوا منه على جيرانهم، ومن يَطلُبُ منهم. لا أنه لا زكاةَ عليهم في ذلك. اهـ. فإذا جَازَ استثناء الثلث، والربع الذي قد يزيد على خمسة أَوْسُق بمراتب، فالخمسة أَوْسُق لا تُستَثنَى في باب الزكاة لعين تلك العلَّة. والله تعالى أعلم. (١) قلتُ: وأحسنُ ممَّن رأيتُ قرَّر مسألة العَرِيَّة، ونبَّه على الفروق بين المذاهب مع بيان عُمْدَةِ كلٍّ، هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القُرْطبي في "بداية المجتهد": اختلف الفقهاءُ في معنى العَرِيَّة، والرُّخْصَة التي أتت فيها في السُّنة. فحكى القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي: أن العَرِيَّة في مذهب مالك هي: أن يَهَبَ الرجلُ ثمرةَ نخلةٍ، أو نَخَلات من حائطه لرجلٍ بعينه. فيجوز للمُعْرِي شراءها من المُعْرَى له بِخَرْصِها تمرًا على شروط أربعة: أحدها: أن تُزْهى. والثاني أن تكونَ خمسة أوسُق فما دون، فإن زادت فلا يجوز. والثالث: أن يعطيه التمر الذي يشتريها به عند الجُذَاذ، فإن أعطاه نقدًا لم يَجُزْ. والرابع أن يكونَ التمر من صنفِ ثمر العَرِيَّة ونوعها. فعلى مذهب مالك: الرُّخْصَة في العَرِيَّة إنما هي في حقِّ المُعْرِي فقط. والرخصة فيها إنما هي استثناءها من المُزَابنة -وهي بيعُ الرُطَب بالتمرِ الجافِّ الذي وَرَدَ النهيُ عنه- ومن صنفي الرِّبا أيضًا -أعني التفاضل والنَّسأ- وذلك أن بيعَ ثمرٍ معلومٍ الكَيْلِ بثمرٍ معلومٍ بالتخمين، وهو الخَرْصُ، فَيَدْخُلُه بيع الجنس الواحد متفاضلًا، وهو أيضًا ثمرٌ بثمرٍ إلى أجلٍ. فهذا هو مذهب مالك، فيما هي العَرِيَّة؟ وما هي الرخصة فيها؟ ولمن الرخصة فيها؟. وأمَّا الشافعيُّ، فمعنى الرخصة الواردة عنده فيها ليست للمُعْرِي خاصةً، وإنما هي لكلِّ أحدٍ من الناس أراد أن يشتري هذا القدر من الثمر، أعني الخمسة أَوْسُق، أو ما دون ذلك بتمرٍ مثلها. وروى: أن الرُّخصَة فيها إنما هي =