للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا أراه أن يكون أبيح في الإسلام قط، وقال بعضهم في فسخ الحج إلى العمرة أيضًا نحوه، فأنكروه رأسًا، كما أنكرت المتعة في الإسلام، غير أني تفردت بإنكار المتعة، أما في فسخ الحج إلى العمرة، فقد سبق فيه ناس قبلي بمثله، واختار الجمهور أنه كان، ثم نسخ.

قوله: (ورخص في الخيل) وهي حرام عند مالك، مباح عند الشافعي، وأحمد. ومكروها (١) عند فقهائنا، إما كراهة تحريم، كما هو عند محدثينا، أو كراهة تنزيه كالضب عند مشايخنا، وللثاني دليل عند أبي داود، وإسناده ليس بساقط عن خالد بن الوليد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الخيل، وفي إسناده بقية، إلا أن روايته عن الشاميين مقبولة، وهي ههنا عن الشاميين، على أن البخاري أيضًا حسن روايته في موضع، غير أن فيها تصريح بالتحديث، وههنا معنعنة، قلت: والأولى عندي أن يكون لحم الخيل، والضب، والضبع كلها بين كراهة التنزيه، والتحريم، وهذه مرتبة ذكرها صدر الإسلام أبو اليسر.

قوله: (لأنها كانت تأكل العذرة) مع أنه قد مر في متن الحديث تعليله - صلى الله عليه وسلم - بكونه رجمًا، وقد أخرج ابن عباس فيه احتمالًا آخر، يجيء عند البخاري بعد ثلاثة أحاديث، قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرم، في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية، اهـ. فاختلف الصحابة في تعليل النهي على ثلاثة أوجه، فذهب بعضهم إلى أن النهي كان، لأنها كانت تأكل العذرة، وقال قائل: إنه لمخافة أن تذهب حمولة الناس، وقيل: بل لكونها لم تخمس، مع أنه قد مر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه أنها رجس.

قوله: (قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر، للفرس سهمين، وللراجل سهمًا) وظاهره موافق للجمهور، وإمامنا متفرد فيه، وأطنب الكلام الزيلعي في -تخريج الهداية-؛ قلت: والذي يتنقح بعد المراجعة إلى الألفاظ أنه أعطى للفرس سهمين، وللفارس ثالثها، وإن كان ظاهر تقابل


(١) قال الطحاوي: ففي حديث خالد النهي عن لحوم الخيل، فأما أكثر الآثار المروية في لحوم الخيل، والصحيح منها، فما روي في إباحة أكل لحومها، ثم نقل بالإسناد عن أبي حنيفة، قال: أكره لحوم الفرس، وجعل ذلك مقتضى القياس، حيث أن الأنعام المأكولة ذوات خفاف وأظلاف، والحمر الأهلية والبغال ذوات حوافر، وقد نهينا عن أكل لحومها، وكان الخيل المختلف في أكل لحومها ذوات حوافر، فكان أشبه بالحمر، والبغال، ثم نقل عن مالك أنه قال: أحسن ما سمعت فيها أنها لا تؤكل، لأنه تعالى قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وقال تعالى في الأنعام: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وقال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} قال مالك: فذكر الله عز وجل الخيل، والبغال، والحمير للركوب والزينة، وذكر الأنعام للركوب والأكل منها، وقال مالك: وذلك الأمر عندنا، وأما أبو يوسف، ومحمد فذهبا إلى إباحة أكل لحومها، قال الطحاوي: وفيما احتج به مالك نظر، لأن كونها مخلوقة للركوب والزينة، لا ينافي كونها مخلوقة للأكل، كما قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} فلم يكن ذلك مانعًا أن يكون خلقهم لغير ذلك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وفي حديث أبي هريرة أنه بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة، فقالت: إني لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث، اهـ. ولم يمنع ذلك كونها مخلوقة للأكل أيضًا كذلك، فليقس عليه أمر الخيل اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>