للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفرس بالراجل يقتضى أن يكون المراد منه الفارس بفرسه، وقد أجاب الناس عنه بأنحاء، والأقرب (١) عندي أن يحمل على التنفيل، وهذا الباب غير منضبط، يتخير فيه الإمام أن ينفل بما شاء إلا إذا رجع إلى دار الإسلام، فإنه ليس له أن ينفل إلا في الخمس، لتعلق حق الغانمين في أربعة. أخماس، ولنا ما عند أبي داود في حديث مجمع بن جارية، أن خيبر قسمت على أهل الحديبية، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهمًا، اهـ. ولا يستقيم (٢) الحساب المذكور إلا على مذهب أبي حنيفة، لأن سهام الفرسان على تقرير الجمهور تكون تسعة، وسهام الرجالة اثنا عشر. فالمجموع يكون واحدًا وعشرين، مع أنه كان قسمه على ثمانية عشر سهمًا. فلا يكون للفارس إلا ستة أسهم، لكل مائة سهمان: فإن قلت: وما في البخاري من التقسيم يخالفه، قلت: وقد تكلمنا عليه مرة ونقول الآن: إن ماعند أبي داود، ففيه قصة مفصلة، فتدل على أن الراوي قد حفظها ألبتة، فينبغي أن تراعى أيضًا، أما المحدثون فلا بحث لهم عن هذه الأمور، وإنما همهم في النظر إلى حال الأسانيد فقط، ولا ريب أن الأسانيد أيضًا مهمة، إلا أن قصر الأنظار عليها، وقطع النظر عن القرائن، ليس من الطريق الصواب، بل قد عاد مضرة، فإذن نقول: إن ما يذكره الراوي في أبي داود، هو حال قسمة أراضي خيبر، ولما كان العقار أعز الأموال، روعي في قسمتها الأصل، ولم يسامح فيها، وأما قسمة العروض والمنقولات. فكما في البخاري: أعطي منها للفارس ثلاثة ثلاثة، لكونها مما يجري فيه التسامح، فإنها غادية ورائحة.

قوله: (إنما بنو هاشم، وبنو المطلب شيء واحد) كان بنو هاشم، وبنو المطلب، ونوفل،


(١) قلت: وهذا الجواب اختاره الرازي في "أحكام القرآن" وقال: إن السهم الزائد كان على وجه النفل، كما روى سلمة بن الأكوع، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه في غزوة ذي قرد سهمين: سهم الفارس، والراجل، وهو كان راجلًا يومئذ، وكما روي أنه أعطى الزبير يومئذ أربعة أسهم، وهذه الزيادة كانت على وجه النفل تحريضًا لهم على إيجاف الخيل، ثم إن رواية مجمع بن جارية يعارضها ما روي عن ابن عباس، قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم، إلخ، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون قسم لبعض الفرسان سهمين، وهو المستحق، وقسم لبعضهم ثلاثة أسهم، وكان السهم الزائد على وجه النفل، وأما ما روي عن ابن عمر مرفوعًا: للفارس ثلاثة أسهم، فقط روي عنه خلافه أيضًا، ويمكن الجمع أن يكون أعطى سهمين، وهو المستحق، ثم أعطاه في غنيمة أخرى، ثلاثة أسهم، وكان الزائد على وجه النفل، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع المستحق، وجائز أن يتبرع بما ليس بمستحق على وجه النفل، اهـ. ملخصًا، ومختصرًا؛ قلت: واحتج العيني بروايات فيها الواقدي، مع نقل توثيقه من علماء هذا الشأن: ص ٦٠٦ - ج ٦ "عمدة القاري"، وقد تكلمنا عليه في الجهاد - في باب سهام الفرس وذكرنا فيه ملخص كلام المارديني، فراجعه، فإنه أيضًا مهم.
(٢) قال ابن الملك: وهذا مستقيم على قول من يقول: لكل فارس سهمان، لأن الرجالة على هذه الرواية تكون ألفًا، ومائتين، ولهم اثنا عشر سهمًا، لكل مائة سهم، وللفرسان ستة أسهم، لكل مائة سهمان، فالمجموع ثمانية عشر سهمًا، وأما على قول من قال: للفارس ثلاثة أسهم، فمشكل، لأن سهام الفرسان تسعة، وسهام الرجالة اثنا عشر، فالمجموع أحد وعشرون سهمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>