زيادة:«هي لهم فريضةٌ وله تطوُّعٌ»، أي يقع له تطوُّع، وهو في «المشكاة» أيضًا. قلتُ: وعلَّله الطحاويُّ (١)، وكذا علَّله أحمد رحمه الله تعالى وقال: أخشى أن لا يكون محفوظًا، ونقله ابن الجوزي، وأبو البركات الحافظ مجد الدين ابن تيمية الحرَّاني أيضًا، وأراد الحافظ رحمه الله تعالى أن يقوِّيه شيئًا، فأخرج له طُرُقًا عديدةً، لكنه أَلانَ في الكلام، لأن مَقَالة أحمد رحمه الله تعالى بين عينيه.
قلتُ: والوجدان يحكم بأنه مُدْرَجٌ، لأن في إسناده ابن جُرَيْج، ومذهبه جواز اقتداء المُفْتَرِض خلف المُتَنَفِّل، ولعلّ الإدراج جاء من قِبَله، وإنما يتأخَّر في مثل هذه الأمور مَنْ لا يجرِّب الأمور، فلا يمكن أن يَثْبُت على قدميه، أمَّا مَنْ رزقه الله علمًا ووفَّقه، فهو على نور من ربه، يَحْكُمُ بحسب ذوقه: صدَّقه أحدٌ أو لا.
والجواب الثاني له: أنا لو سلَّمنا أن مُعَاذًا رضي الله عنه كان يُصَلِّي بهم مُتَنَفِّلا، فأي دليلٍ عندكم على أنه صلى الله عليه وسلّم كان يَعْلَمُه أيضًا؟ فَرُبَّ أشياءَ قد فُعِلُت بمحضرٍ منه صلى الله عليه وسلّم ثم إذا اطَّلَعَ عليها نهى عنها، كالتيمم إلى الآباط والمناكب، والتمعُّك في التراب، وله نظائر غير محصورة، لا سِيَّما إذا كان عندنا ما يَدُلُّ على أنه إذا عَلمَه نَهَى عنه، فقد أخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لمَّا بَلَغَه خبرَه نَهَى عنه، وقال:«إمَّا أن تصلِّي معي، وإمَّا أن تخفِّف عن قومك»، وهو في «المسند» لأحمد والبزَّار، وحَكَمَ عليه ابن حَزْم بالإرسال واختلفوا في شرحه على ثلاثة أقوال.
الأول: ما شَرَحَ به الطَّحَاوِيُّ، وهو الأرجح، أي إمَّا أن تصلِّي معي فقط، فلا تُصَلِّ مع قومك، وإمَّا أن تُصَلِّ مع قومك، أي فلا تُصَلِّ معي، فَنَهَى على هذا التقدير عن الإعادة رأسًا، لأن الصلاة مرتين كانت تُوجِبُ التثقيل عليهم، لتأخُّره عَنهم بالصلاة مع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وهذا الشّرْحُ يُبْنَى على أنه لم يكن عند النبيِّ صلى الله عليه وسلّم عِلْمٌ من صلاته مرتين، فإذَا عَلِمَه نَهَى عنه، وعلَّمَه أن لا يُصَلِّي إلا مرَّة إمَّا معه، أو مع قومه، وذلك لأنه قال:«إمَّا أن تُصَلِّي معي»، فَعُلِمَ أنه لم يكن عن خبره من أنه يصلِّيها معه أيضًا. ولو كان له عِلْمٌ أنه يصلِّيها معه أيضًا، لم يَقُل له:«إمَّا أن تُصَلِّي معي».
والشرح الثاني للحافظ ابن حَجَر رحمه الله تعالى حيث قال: معناه إمَّا أن تصلِّي معي فقط، أو تُصَلِّي معي وتخفِّف عن قومك. وحاصله: أن المعادلة في الحقيقة بين الشيء
(١) قال الطحاويُّ في "معاني الآثار": أن ابن عُيَيْنَة قد روى هذا الحديث عن عمرو بن دِينَار كما رواه ابن جُرَيْج، وجاء به تامًّا، وساقه أحسن من سِيَاق ابن جُرَيْج، غير أنه لم يَقُل فيه هذا الذي قاله ابن جُرَيج: "هي له تطوُّع، ولهم فريضة"، فيجوز أن يكون ذلك من كلام ابن جُرَيْج، ويجوز أن يكون من قول عمرو بن دينار، ويجوز أن يكون من قول جابر، فمن أي هؤلاء الثلاثة كان القول، فليس فيه دليل على حقيقة فِعْل مُعَاذ رضي الله عنه أنه كذلك أم لا، لأنهم لم يَحْكُوا ذلك عن مُعَاذ رضي الله عنه، إنما قالوا قولًا على أن عندهم كذلك، وقد يجوز أن يكون في الحقيقة بخلاف ذلك، ولو ثَبَتَ ذلك أيضًا، لم يكن في ذلك دليل أنه كان بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أخبره به لأقرَّه عليه أو غيره. اهـ.