فلعل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لمَّا دَخَلُوا المَشرُبة، ووجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا اقتدوا به ولم يَقْعُدُوا معه، بل قاموا كذلك منتظرين أن يُدْرِكَهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القعود بدل القيام، يعني يقعد قَعْدَة القيام، فعلَّمهم أنه ليس من سنة الصلاة، بل إذا صلى الإمامُ قاعدًا، فليصل معه كذلك، وليُدْرِكْهُ معه، ويصنع كما يَصْنَعُ الإِمامُ، حتى إذا أدركه في القعود فليَقعد، وإذا أدركه في القيام فَليَقُم ولا يختلف عليه، ولذا أشار إليهم: أن اجلسوا ولا تنتظروا قائمين. ثم إن ههنا أثرًا عن عطاء مُرْسلًا نَقَلَه الحافظ رحمه الله تعالى: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما صَليتم إلَّا قعودًا" -أو كما قال- وقد كان الشيخ أجاب عنه أيضًا، غير أني لم أنْتَهِز فرصةً لتفصيله. (٢) واعلم أن ابن حَزْم مرَّ على تلك المسألة، وبَالَغ فيها حتَّى جَعَل يدَّعي الإجماع، وشَدَّد في الكلام على من خالَفَه، وزَعَم أن المُغِيرَةَ بن مِقْسَم صاحبَ النَّخَعِيّ هو أول من أَبْطَل تلك المسألة من هذه الأمة، وأخَذَ عنه حمَّاد، ثم تعلَّمه أبو حنيفة رحمه الله تعالى فلما رأيته يَرْفَعُ عَقِيرَتَه بالإجماع ارتعدت من الفَرَق، وما كنتُ أجدُ منه مَلْجَأً أَلْجَأُ إليه حتَّى تَذَكَّرْتُ لفظًا من شيخي، ولكن ما ألقيت له بالًا حتى رَزَقَنِي اللهُ بعض الممارسة، فَوَجَدْتُ إن كان والله لعلمًا. =