للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليس في الجواز. فما في «الكبير» شرح «المنية»، و «البدائع»: أنه مكروهٌ تحريمًا، متروكٌ


= ومن القرائن التاريخية الدَّالة على ذلك: أن الأسودَ قد صَحِبَه سنتين، هو وعلقمة قد ذهبا إليه لتعلُّم الصلاة منه، ثم استمرَّا على الترك كما في "الإتحاف". وبمثل هذه القرائن قال الطحاويُّ: ثَبَتَ ذلك عن عمر، وكذا عندهم عن عليّ أثبت ممَّا عند خصومهم، وعليه دَرَجَ أصحابه، ولا حقَّ لأحدٍ في الكلام فيما نَقَلُوه عنه أهل الكوفة، لأنه كان بين أظهرهم.
يقول العبدُ الضعيف: ولذا لم يذكرهما الترمذي من الرافعين فإن عمر وعليًّا رضي الله تعالى عنهما، لو ثَبَتَ عنهم الرفع لصرَّح بأسمائهما. نعم، وهما أحق بذلك لو ثَبَتَ عنهما كذلك.
وأمَّا علم ابن مسعود رضي الله عنه فهم فيه منفردون لا يشاركهم فيه أحدٌ، وفي تعليق "الموطأ" نقلًا عن "الاستذكار": "لم يُرْوَ عن أحدٍ من الصحابة تَرْكُ الرفع ممن لم يختلف عنه فيه إلَّا ابن مسعود رضي الله عنه وحده اهـ. فإنه لم يُرْوَ عنه إلَّا الترك وجملة الأمر: أن أهل الكوفة فَاتَهم التحقيق عن أبي بكرٍ، ثم حقَّقوه من عهد عمر رضي الله عنه إلى عهد عليّ رضي الله عنه، ثم استقرُّوا واستمرُّوا عليه ولم يبالوا بغيرهم، وهو الذي يجيبونه عند التساؤُل، فخذ هذا ملخصًا، فقد وقع في المبحث بخسٌ كثيرٌ، يُهَوِّلون بسرْد أسماء من علَّلوه، لأنه لم يخترْه فقط.
وليس من الإنصاف أن يُقتَصَرَ في الباب على نُقُول الشافعية رضي الله عنهم، فإن للمالكية أيضًا شَطرًا من العلم والنقل به. هذا ما سَمَحَتْ به إلى الآن حال السلف، وما هم فيه وبعدُ، فإِن كلَّهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعلام الهدى لم يَقْصُدُوا بتلك المبالغات إلَّا التمسُّك بسنة نبيهم، والعضَّ عليها بالنواجذ، فبأيهم اقتديتم اهتديتم. وإنما أردنا بذلك بيان تحامُل الخصوم علينا، فإن ابن عمر رضي الله عنه وأمثاله أراد إحياءَ سنةٍ، وهؤلاء همُّهم في إعدام الحنفية عن صفحة الواقع، وليس بدَأبٍ صحيحٍ، فإن الصحابة رضي الله عنهم إذا اختلفوا في أمرٍ، فالجانبان حقٌّ وصوابٌ، وإخمالُ جانبٍ أو إعدامه بنحو لحن في الحُجَّة رقمٌ على الماء لا غير، فمن رَفَع فهو على حقٍ وسنةٍ، وكذلك من تَرَك ولا لومَ عليه، ولا عنفَ، ولا شيءَ إذا كان لهم أيضًا في السلف قدوةٌ، ونسأل الله التوفيق وسبيل السداد، فإن بعضَ من لا فقه لهم في الدين لمَّا رأوا ابن مسعود رضي الله عنه يَترُك الرفع، جعلوا يَطعَنُون عليه، ويَقْدَحُون فيه، ولا يدرون أنهم بصنيعهم هذا يَهْدِمُون بنيان الدين، فإن نحو ابن مسعود رضي الله عنه لمَّا صار مطعونًا عندهم، والعياذ بالله، فممَّن يأخذون الدين من بعده اللهم أحينا على حبِّك، وحبِّ رسولك وحب آله وأصحابه والمسلمين أجمعين، وأمتنا عليه، ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ.
وبعد ذلك، فانظر إلى المحدِّثين وما صَنَعُوا فيه فلا تَجِدهم أيضًا خَلَصُوا من المبالغات، حتى لم يتركوا فيه تاريخًا صحيحًا ونقلًا واضحًا غير مخايل وقرائن. ففي "الأم": قلتُ للشافعي: خالفكَ في هذا غيرُنا، قال: نعم بعض المشرقيين، ثم قال: وجُل أهل المشرق يذهبون مذهبنا في رفع الأيدي ثلاث مرات في الصلاة، فخالفتم مع خِلافكم السنة أمر العامة من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقال: قلت: هل رووا فيه شيئًا؟ قال: نعم ما لا نُثبِتُ نحن ولا أنتم ولا أهل الحديث منهم مثله، وأهل الحديث من أهل المشرق يذهبون مذهبنا. ففي العبارة الأولى: أن جُلَّ أهل المشرق يذهبون مذهبه، وفي هذه العبارة: أن أهل الحديث منهم هم الذين يذهبون مذهبه، لا كلَّهم ولا جلَّهم. وكذا في "الفتح" عن "جزء البخاري": أنه لم يَثبُت عن أحدٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يَرفَع يديه اهـ.
ولا يتم له ذلك، فقد نَقَلَ خليفته الإمام الترمذي العملَ بكلا النحوين، فقال بعدما أخرج حديث ابن مسعود في تركه: وبه يقول غير واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وهو قول سُفْيَان الثوري، وأهل الكوفة. اهـ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>