للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عندي. نعم، إن كان عندهما نقلٌ من صاحب المذهب، فهما معذوران، وإلا فالقولُ بالكراهة


= وكذا بَالَغَ فيه ابن المُنْذِر، وقال: لم يختلف أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه. ومن هذا الباب ما قال الفَيْرُوز آبادي في "سفر السعادة" بعدما سَاقَ الكلام على إثبات الرفع في المواضع الثلاثة: ورُوِي عن العشرة المبشَّرة أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَزَل على هذه الكيفية حتَّى رَحَلَ عن العالم. فردَّه العلامة السِّنْدِهي في رسالته "كشف الرين": بأن ما نقله الفَيرُوز آبادِي عن العشرة المبشرة في دوام فعله - صلى الله عليه وسلم - الرفع إلى وقت وفاته، فلم يصحَّ فيه حديثٌ فضلًا عن رواية العشرة. نعم، وَقَعَ ذلك في روايهٍ واحدةٍ عن ابن عمر مذكورةٍ في "سنن البيهقي" لكن سندها غير صحيح، ومن ادَّعى صحته وصحة غيره، فعليه البيان. اهـ.
وقد أصلَحَ الشيخ رحمه الله تعالى عبارته شيئًا، وما قال في "سفر السعادة" بعده: وقد صحَّ في هذا الباب أربعمائة خبرٍ وأثرٍ. اهـ. فباطلٌ لا أصلَ له أصلًا، فقد رأيت حالهم في المبالغات، وما فعلوا من تكثير القليل، وتقليل الكثير. ثم ذَهَبُوا يعدِّدون أسماء الرَّافعين، فعدَّهم في "الفتح" خمسين نفرًا من الصحابة، وتَتَبَّعتهم، فوجدت أن فيهم من كانوا يَرْفَعُون عند الافتتاح فقط أيضًا. وفي عبارة "الاستذكار" أنهم ثلاثة وعشرون، ونحوه في كلام الشوكاني، فقد سَقَطَ منه نحو النصف، ونقل في "التخريج" من كلام البيهقي نحو خمسة عشر بأسانيد صحيحة يُحتَجُّ بها، وفي بعضها أيضًا كلامٌ، فبقي نحو اثني عشر، فذهب في المبالغات نحو ثلاثة أرباع، وبقي نحو الربع، وحَصَلنا من الخمسين على نحو اثني عشر. وإن أخذنا بلفظ: كل خَفْض ورَفْع"، فعدد الرفع أزيد منهم، هذا في أسماء الصحابة.
أمَّا الأحاديث، فَخَلَصَ منها نحو خمسة أو ستة: حديث علي رضي الله عنه، مع اختلاف في ذكر الرفع والساكتون أثبت. وحديث ابن عمر رضي الله عنه، ومالك بن الحُوَيرث رضي الله تعالى عنه على وجوههما. وحديث وائل رضي الله عنه على اختلاف في ألفاظه. وحديث أبي حُمَيْد رضي الله تعالى عنه على اختلاف في الذكر وعدمه.
وحديث جابر رضي الله عنه. ونحو هذا العدد من الجانب الآخر أيضًا، هذا حال المحدِّثين وما هم فيه، وراجع لتفصيله الرسالة. ولعلَّك قدَّرْتَ من هذه الجملة: أن غاية أُمنِية الخصوم أن لا تبقى للحنفية مُسْكة في الدين، ويأبى الله ورسوله إلَّا أن يكون الناسُ كلُّهم في فُسْحَة ووُسْعَة من الدين.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: بلى قد ثَبَتَ عندنا تركه عن عمرٍ، وعليّ، وابن مسعود، وأبي هريرة، وابن عمر، والبراء بن عازب، وكعب بن عُجْرة رضي الله عنهم، عملًا أو تصديقًا منه، وعن آخرين ممَّن لم يذكر أسماءهم ولم يُعَيَّنُوا، ومن التابعين عن جُلِّ أصحاب عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما، وجماهير أهل الكوفة وكثير من أهل المدينة في عهد مالك رحمه الله واعترف به ابن القيم في "أعلام الموقعين"، وإن لم يجعله حُجَّة، وناهيكَ بهم قدوة.
وفي سائر البلاد أيضًا تاركون لم يُسَمَّوْا كما يقع كثيرًا فيما يجري التعامل والتوارث، فيستغنى عن ذكر الإسناد فيه، لكونه غير مهم عنده أو أعْوَزَه، ثم يأتون الخلف فيطالبون الأسانيد، وإذا لم يجدوا أنكروا التواترَ العلميَّ، وكثيرًا ما يَقْتَحِمُه ابن حَزْم في "محلّاه" كأنه لم تَقَعْ عنده في الدنيا وقائع ما لم يكن هناك إسنادٌ، وهذا قطعي البطلان، فَيُنْكِرُ كثيرًا من الإجماعيات المنقولة بالآحاد، ويخرِّبُ أكثر مما يعمِّر، وهو ضررٌ عظيمٌ. أَلا تَرَى أن هذا القرآن كيف تواتر على وجه البسيطة عند المسلمين طبقة بعد طبقة، بحيث لا يوجد أحدٌ منهم لا يعلم أنه كتاب سماوي نزل على نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما بأيدينا هو ذاك، ومع هذا لو طلبنا تواتر إسناد في كل آية منه لأعْوَزَنا ذلك وعجزنا، وهكذا فعل ابن القيم في "أعلام الموقعين" في بعض نظائر مسألة الزيادة بخبر الواحد على القاطع، فلا يعلم كيف خفي هذا على الناس، ومن تمرُّ عليه الدنيا أَلَا يعلمون أن هذا الصنيع يعُودُ عليهم وَبَالًا، ويَلْزَم منه أن الدين قد اختلط من الأول، ولم يبقَ إلى معرفته سبيل يُوثَقُ به، وماذا يَحْصُل ويعود بالتشكيك في الضروريات. =

<<  <  ج: ص:  >  >>