للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في مسألةٍ متواترةٍ بين الصحابة رضي الله عنهم شديدٌ عندي.


= على أن كَثْرة النقل ليست دليلًا على كَثرة فعله - صلى الله عليه وسلم -، لأن الفعل الوجودي يَكثُرُ تناقله بخلاف العدمي، فإنه لا يُنْقَلُ إلَّا بداعية، فالنقل في ترك الرفع إنما قلَّ بالنسبة إلى الفعل لكونه من التروك مع كونه كثيرًا في نفسه، كما قرَّره الحافظ ابن تَيمِيَّة رحمه الله في ذكرهم جَهْر التسمية، فأَوْهَم كثرة وقوعه، وليس كذلك، وإنما تردَّد فيه من اختار الرفع مذهبًا أو كان من عادته ترجيح جانب من الاختلاف المباح أيضًا، فذهب يَهْدِرَ الجانب الآخر، كالبخاري على خلاف عادة الآخرين، كالنسائي وأبي داود والترمذي، ولذا تراهم يُبَوِّبُون للطرفين بخلاف البخاري، فإنه إذا اختار جانبًا بتَّ به، ثم لا يخرج لخلافه شيئا، وإن كان صحيحًا، وهذه أذواق.
ثم لو عدَّدنا من دلائلنا رواية كل من استَقصَى صفة الصلاة ولم يذكر الرفع، لازداد عددنا على عددهم، وينبغي أن تَعُدَّ منها، لأن الرفعَ والتركَ كلاهما ثابتان في الخارج لاتصال العمل بهما من لدن عصر النبوة إلى يومنا هذا، فلا حاجةَ لنا أن نحمل المُطلَقَات على المقيَّد. نعم لو لم يَثْبُت به العمل لحملناها عليه، وقلنا: إن الراوي اختصر فيه، أو تركه. وإذن إيرادُ تلك الأحاديث منَّا في مسألة الترك إيرادٌ في محله، لثبوت الترك ثبوتًا لا مرد له، كحديث مسيء الصلاة، مع كونه قوليًا، وفي سِيَاق التعليم، فقد علم فيه صلاته كلَّها، ولم يعلمه الرفعَ، ولا بنى عليه.
وكحديث أبي مسعود عن أبي داود، وكيف السلام على اليمين من النسائي. ومن حديث محمد بن جابر في "الزوائد"، وحديث عبد الرحمن بن زهري فيه، وحديث أبي هريرة: "إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" عند البخاري. وقد كان أبو هريرة قد لا يرفع، ذكره في "الاستذكار"، وذكره أبو جعفر القاري عنه أي ترك الرفع كما في "الاستذكار"، وجعل قوله: "إني لأشبهكم بعده"، وليس في "الموطأ" كذلك، وحديث أبي مالك الأشعري عند أحمد، وحديث أنس في "الكنز" مع "فتح القدير"، وحديث الثقفي، وقول علي رضي الله عنه، وأذكاره، وحديث ربيعة الكلَّ من "الكنز"، وحديث أنس في "المسند" و"السنن". وفي "البداية" لابن رُشد: أن السبب لرواية الترك عن مالك هو عمل المدينة إذ ذاك، فهذا العدد العظيم لعلَّه مبني على الترك.
وبالجملة لا يحكم الوجدان ههنا بحمل المطلق على المقيد، وإنما ينبغي ذلك إذا لم يكن للمطلق في المسألة عددٌ كثيرٌ في نفسه، ولم يكن للإطلاق مناسبةٌ للحكم في نفسه، وهذا كما في "العمدة" عن أحمد في ترك جلسة الاستراحة، قال أحمد: وأكثر الأحاديث على هذا أي على الترك فَحَمَلَ الساكت على الترك. وكذلك أحاديث وضع اليمين على الشمال القولية منها، عند الشيخ رحمه الله: مطلقةٌ تُحْمَلُ على المعروف، ولا يقيَّد بالصدر، ولا بكونه تحت السُّرَّة. والفعلي المذكور فيه الصدر؛ يُحْمَلُ على عند الصدر لا غير، والمراد بلفظ: عند الصدر، وعلى الصدر، وفوق الصدر، واحدٌ. ثم هو واقعةٌ حالٍ لا عمومَ لها ولا يأتي على المُطْلَقَات كلِّها. وعَقْدُ اليدين مأخوذٌ من الاحتزام وشدِّ الأوساط كالخدم والحشم للخدمة وخفض الجناح ومنه حديث: "ارْبِطُوا أوساطَكم بآزاركم" اهـ. عن "المستدرك" من المناسك، وفي وصف هذه الأمة: "يَشُدُّونَ أوساطهم" من "شرح المواهب".
ثم إنه جاء في التحريمة حديثٌ قوليٌّ وفعليٌّ، وفي الاستفتاح قولي عند البزار، كما في "العمدة" وعند الطبري في "الكنز"، وفي الوضع: قوليٌّ وفعليٌّ، وفي التسمية: فعليٌّ وقوليٌّ في فضائله، وفي التأمين، قوليٌّ وفعليٌّ، وفي القنوت: فعليٌّ، وفي قنوت الوتر: قوليٌّ، وفي تكبيرات الانتقالات: فعليٌّ وقوليٌّ، عند محمد في "الموطأ"، وفي التسبيحات: قوليٌّ وفعليٌّ. وكذلك في التسميع والتحميد، وفي التشهد والدعاء: قوليٌّ وفعليٌّ، وفي الإشارة: قوليٌّ عند البيهقي من باب تحليل الصلاة بالتسليم، وفعليٌّ إن لم يكن إشارة إلى التحويل يَمْنَةً ويَسْرَةٌ، وهو عند أبي داود، وكذلك في التسليم في جلسة الاستراحة: قوليٌّ في بعضٍ من طُرُق حديث المسيء صلاته، وفعليٌّ كذلك في نفس القعدة. وأمَّا في الفاتحة وضم السورة، فكثيرٌ. وفي تعديل الأركان، وإتمام الركوع والسجود وسرقة الصلاة، فعددٌ عظيمٌ، وذلك لأن سَرْعَان الناس يُنْقِصُون فيها طبعًا لعدم انضباط القومة والجلسة، ولم =

<<  <  ج: ص:  >  >>