للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

...........................


= إجماع الأئمةِ المبتدعِين. قال الحافظ رحمه الله تعالى ذيل شرح حديث: "صلاةُ الليل مَثْنى مَثنى" الخ. واستدل به على تعيينِ الشفع قبل الوِتْر وهو عن المالكية بِناء على أن قوله: "ما قد صلى أي من النفل. وحَمَله مَن لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفَرض، وقالوا: إن سَبق الشفع شَرطْ في الكمال لا في الصحة. انتهى. أما أن الثلاثَ أَفضَل من الواحدة فقد صرح به الشافعية بأنفسهم أيضًا. نعم الاختلاف إنما هو في التشهد، وليس بمذكور في الحديث المذكور. ولو سَلمنا أن فيه تلك، أي مسألة التشهد، فللمعارضِ أن يعارِضَه بحديثٍ آخر: مالك عن عبد الله بن دِينار أن عبد الله بنَ عمرَ كان يقول: "صلاة المغرب وتْرُ صلاةِ النهار. قال الزرقاني: وهذا رواه ابن أبي شَيبَة مرفوعًا عن ابن عمرَ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة المغربِ وترُ النهار، فأوتروا صلاة الليل". ولأحمد رحمه الله تعالى عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة المغربِ أوترت النهارَ، فأوتروا صلاةَ الليل". قال الحافظ العراقي. والحديث سنده صحيح اهـ. ورواه الدارقطني عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا أيضًا ولكن سنده ضعيف، وقال البيهقي: الصحيح وَقْفه على ابن مسعود رضي الله عنه. اهـ. ولكن الإِنصاف أن المرادَ منه أيضًا ليس هو التشبيه في التشهد، بل وَجْه الشبه هو الايتار المجردُ لا غير، والله أعلم. وبعد اللتيا والتي لما علمت أن الحديثَ إنما ورد في بيان العددِ دون التشهد، علمت أنَ جوابه ليس على الحنفية فقط، بل هم وغيرهم فيه سواء.
على أن الحديثَ المذكور يخالف ما رُوي في هذا الباب من الأحاديثِ القوليةِ والفعلية، ولا أتذكر في الباب حديثًا مرفوعًا قوليًا أو فعليًا يدل على كَون الوِتر ركعة منفرِدة مفصولة بسلام بعد ثنتين إلا ما جاء من الإِجمال. ولا تَمَسك لهم في حديثِ عائشةَ وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، لما في حديث عائشةَ رضي الله عنها على اختلاف ألفاظه: "يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنِهن وطولهن. ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا اهـ. وكذا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أيضًا على اختلافِ ألفاظه عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه رقد عند رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: ثُم فَعَل ذلك ثلاثَ مرات بست ركعات، كل ذلك يَستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوْتَر بثلاث. رواه مسلم، والنسائي في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل. وأما التَكلم في حبيب بن أبي ثابت فغير مَسْموع. وأما حديث سَعْد بن هشام عن عائشةَ رضي الله تعالى عنها فإِن ورد فيه: أنَّه كان يُصلِّي تسعَ ركعات لا يَجْلِسُ بينها إلَّا في الثامنةِ، فيذكُر الله ويَحْمَدُه ويَدْعُوه، ثُم يَنْهَضُ ولا يسلم. ثُم يقوم فيصلِّي التاسعةَ، ثُم يَقْعُد فيذكر الله فيحمده ويدعوه، ثُم يسلِّم تسليمًا يُسْمِعُنا. اهـ فقد ورد فيه غيرُ ذلك أيضًا كما عند النسائي وغيره عن سَعْد بن هشام أن عائشة رضي الله عنها حدثته: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُسَلّم في ركعتي الوِتْرِ، فإِنْ كان الأَوَّلُ مع إجمالِه أقربَ إِليهم. فالثاني متعين لنا مع صراحته بنفي السلام بين الركعتين والركعة من الوِتْر. ولما كان مَخْرَجُ الحديثين واحدًا لا بد أن يكون هذا التفصيلُ قاضيًا على ما في الحديث الآخر من الإِجمالَ، ويبقى الوِتْر فيهما ثلاثًا لا غيرُ.
أما حديث أم سَلَمة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُوتِر بسبع، أو خمس لا يَفْصِل بينهن بتسليم. اهـ. ففيه بيان عدد صلاة الليل أولًا. ومَرْجِع الضمير ليس إلا ركعات الوِتر منهن، سواء سميتَه استخدامًا أو شيئًا آخَر. ويشهدُ له طريقٌ آخرُ لتلك الروايةِ عند النسائي عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُوتِر بخمس وسبع لا يَفْصِل بينهن بسلام ولا كلام. اهـ. وحديث عائشةَ رضي الله عنها المارُّ آنفًا في نفي السلام أيضًا قرينةْ عليه.
أَما حديث أبي أيوب: "مَنْ أحب أن يوتِر بخمس فليفعل، ومَن أحبَّ أن يوتِرَ بثلاثٍ فليفعل. ومَن أحبَّ أن يوتِر بواحدة فليفعل"، فلا يقومُ حجة أيضًا لما في "التلخيص"؛ وصَحَّح أبو حاتم، والذهبي، والدارقطني في "العلل"، والبيهقي وغيرُ واحدٍ وَقْفَه، وهو الصواب اهـ. وَوَجهه ظاهِرٌ، لأنه لم تقع الركعة الواحدة مفصولة بسلام مرفوعًا إلا في تلك الروايةِ، والله تعالى أعلم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>