للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمِئِينَ إِلا مَنْ أَعْطَى فِي رِسْلِهَا ونَجْدَتِهَا، وأَطْرَقَ فَحْلَهَا، وأَفْقَرَ ظَهْرَهَا، ونَحَرَ سَمِينَهَا فَأَطْعَمَ الْقَانِعَ والْمُعْتَرَّ "قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الأَخْلاقُ وأَجْمَلُهَا إِنَّهُ لا يَحِلُّ بِالْوَادِي الَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ إِبِلِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَكَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْعَارِيَةِ؟ "قال: قُلْتُ: تَغْدُو الإِبِلُ ويَغْدُو النَّاسُ، فَمَنْ أَخَذَ بِرَأْسِ بَعِيرٍ ذَهَبَ بِهِ. قال: فَكَيْفَ تَصْنَعُ فِي الإفْقَارِ؟ قال: قُلْتُ: إِنِّي لأُفْقِرُ حَتَّى الضَّرْعَ البكر والناس والمدبر. قال: فَكَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَنِيحَةِ؟ قال: قُلْتُ: واللَّهِ إِنِّي لأَمْنَحُ حتى المئة. قال: فَمَالُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مَالُ مَوَالِيكَ؟ قال: قُلْتُ: بَلْ مَالِي. قال: مَالَكَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ، ومَا بَقِيَ فَلِمَوَالِيكَ. قال: قُلْتُ: الِمَوَالِيَّ؟ قال: نَعَمْ. قال: قُلْتُ: واللَّهِ إِذًا لأُقِلَّنَّ عَدَدَهَا. قال الْحَسَن: ففعل، فلما حضرته الوفاة قال: يَا بني اسمعوا مني فإنكم لا تجدون أحدا أنصح لَكُمْ مِنِّي: إِذَا أَنَا مِتُّ فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم، فيستجهل الناس أحلامكم وتهونوا عليهم، وعَلَيْكُمْ بِاسْتِصْلاحِ الْمَالِ فَإِنَّهُ مَنْبَهَةٌ للكريم ويستغنى به عن اللئيم، وإِيَّاكُمْ والْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ المرء لم يسأل أحد قط إِلا ترك كسبه، وإياكم والنياحة، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْهَا، وإذا أنا مت فادفنوني في ثيابي هذه التي كنت أصلي فِيهَا وأذكر الله فِيهَا، وادفنوني في موضع لا يعلم بي أحد فإنه كانت بيننا وبين بكربن وائل خماشات في الجاهلية، فأخاف أَنْ يُدْخِلُوهَا عَلَيْكُمْ فِي الإِسْلامِ، فَيَفْتِنُوا عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ. قال الْحَسَن: كَانَ ناصحا في حياته ناصحا في مماته.