للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَال أَبُو عُمَر بْن عَبد الْبَرِّ (١) : كَانَ عاقلا حليما مشهورا بالحلم قيل للأحنف بْن قَيْس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قَيْس بْن عَاصِم المنقري، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه حَتَّى أتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل له: هَذَا ابْن أخيك قتل ابنك.

قال: فوالله مَا حل حبوته ولا قطع كلامه فلما أتمه التفت إِلَى ابْن أخيه، فَقَالَ: يَا ابْن أخي بئس (٢) مَا فعلت أثمت ربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، ثُمَّ قال لابن له آخر: قم يَا بني فوار أخاك، وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مئة ناقة دية ابنها فإنها غريبة. قال: وكان قَيْس بْن عَاصِم قد حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان سبب ذلك إنه غمز عكنة ابنته وهُوَ سكران وسب أبويها، ورأى القمر فتكلم بشيءٍ (٣) وأعطى الخمار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه، وَقَال فِيهَا أشعارا منها قوله:

رأيت الخمر جامحة وفيها • خصال تفسد الرجل الحليما

فلا والله أشربها صحيحا • ولا أشفي بها أبدا سقيما

ولا أعطي بها ثمنا حياتي • ولا أدعو لها أبدا نديما

فإن الخمر تفضح شاربيها • وتجشمهم بها الامر العظيما


(١) الاستيعاب: ٣ / ١٢٩٥.
(٢) قوله: "بئس "تحرف في نسخة ابن المهندس إلى: "نسيت.
(٣) قوله: "بشئ "سقط من المطبوع من "الاستيعاب ".