للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصغاني يقول: ألين لأبي داود الحديث كما ألين داود الحديد.

وَقَال أبو سُلَيْمان الخطابي: سمعت ابن الاعرابي يقول ونحن نسمع منه هذا الكتاب يعني كتاب السنن وأشار إلى النسخة وهي بين يديه: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله عزوجل، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، لان الله تعالى أنزل كتابه تبيانا لكل شيء، وَقَال: {ما فرطنا في الكتاب من شئ) {١) ، فأخبر سبحانه وتعالى وبحمده أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب. إلا أن البيان على ضربين: بيان جلي، تناوله الذكر نصا، وبيان خفي اشتمل على معنى التلاوة ضمنا، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وهو معنى قوله سبحانه وتعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) {٢) . فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان. وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم، وأمهات السنن، وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدما سبقه إليه، ولا متأخرا، لحقه فيه.

قال أبو سُلَيْمان: واعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لابي داود كتاب شريف لم يصنف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء. على اختلاف مذاهبهم، ولكل فيه ورد، ومنه مشرب، وعلى معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الارض فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل، ومسلم ابن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في


(١) سورة الانعام: الآية: ٣٨.
(٢) سورة النحل، الآية: ٤٤.