للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الاسنان، دقيق المسربة (١) ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة.

معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن، وما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب (٢) الراحة، شثن (٣) الكفين والقدمين، سائل أو سائر الاطراف، خمصان الاخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الارض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقي بالسلام.

قال: قلت: صف لي منطقه، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم متواصل الاحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام بأشداقه ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا، تعدي الحق، لم يعرفه


(١) المسربة بضم الراء: ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف، كما في النهاية لابن الاثير، وانظر ما يأتي من الشرح بعد قليل.
(٢) الرحب: الواسع.
(٣) قال ابن الاثير في النهاية: شئن: في صفته صلى الله عليه وسلم"شثن الكفين والقدمين"أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر.
وقِيلَ: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال، لانه أشد لقبضهم، ويذم في النساء": ٢ / ٤٤٤.