للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب، قلبها، وإذا تحدث، اتصل بها، يضرب براحته اليمنى باطن راحته اليسرى، وإذا غضب، أعرض وأشاح، وإذا فرح، غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.

قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألت عنه، ووجدته قد سأل اباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين: فسَأَلتُ أبي عن دخول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك.

وكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء الله، وجزء لاهله، وجزء لنفسه، ثم جزء جزءه بينه وبين الناس ورد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئا. فكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم والامة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، يقول: ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة. ولا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا (١) ولا يفترقون إلا عن ذواق (٢) ، ويخرجون أدلة، يعني على الخير.


(١) قال ابن الاثير في "رود"من النهاية: في حديث علي رضي الله عنه، في صفة الصحابة رضي الله عنهم"يدخلون روادا ويخرجون أدلة"أي يدخلون عليه طالبين العلم وملتمسين الحكم من عنده، ويخرجون أدلة هداة للناس. والرواد: جمع رائد..وأصل الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلا ومساقط الغيث: ٢ / ٢٧٥.
(٢) قال ابن الاثير في "ذوق"من النهاية في شرح ذلك: ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير": ٢ / ١٧٢.