للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون مثله؛ يقول: قد رضي بذلك ناسٌ لله فجعلوا معه إلهًا شريكًا (١). هذا قول المفسرين في هذه الآية.

وقد شرح أصحاب المعاني هذه الآية أبين شرح؛ قال صاحب النظم: هذا مثل ضربه الله -عز وجل- للذين جعلوا له شريكًا، فقال: هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله وولده حتى يكون هو ومملوكه في سواء يخافه كما يخافه غيره من شريكٍ له لو كان معه، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فِلمَ تجعلون لي عبيدي شركاء؟ والفاء في قوله: {فَأَنْتُمْ} بمنزلة حتى، تأويله: حتى أنتم وعبيدكم فيه سواء. انتهى كلامه.

وقال ابن قتيبة: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وذلك أقرب عليكم {هَلْ لَكُمْ مِنْ} شركاء من عبيدكم الذين تملكون {فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ} وعبيدكم {سَوَاءٌ} يأمرون فيه كأمركم، ويحكمون كحكمكم، وأنتم {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي: كما يخاف الرجلُ الحرُّ شريكه الحرَّ في المال يكون بينهما، فلا يأمر فيه بشيء دون أمره، ولا يُمضي فيه عطيةً بغير أمره، وهو مِثلُ قوله: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: ١١] أي: لا تغيبوا إخوانكم من المسلمين. وقوله {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: ١٢] أي بأمثالهم من المؤمنين خيرًا، يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أقاربكم وأرقائكم، فكيف تجعلون لله مِنْ عبيده شركاء في ملكه؟ ومثلُه قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: ٧١] فجعل منكم المالك والمملوك {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني السَّادة {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} مِنْ عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد:


(١) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ١٠٢، وفيه: ونفسه، بدل: وزوجه. وأخرجه بنحوه، ابن جرير ٢١/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>