للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٧ - قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}. قال الحسن: يعني: التوبة التي يقبلها الله (١)، فتكون (على) بمعنى عند.

وقال أهل المعاني: إن الله تعالى وعَد قبول التوبة من المؤمنين في قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الآية [الأنعام: ٥٤]، وإذا وعد الله تعالى شيئًا صدّق ميعاده ولم يجز الخلف فيه، فمعنى (على الله) أنه أوجب ذلك على نفسه بفضله (٢).

وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}. اتفقوا على أنه لم يُرِد بالجهالة ههنا أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاصي (٣)؛ لأن من عمل ذنبًا وهو لا يعلم أنه ذنب لم يستحق عقابًا؛ لأن الخطأ مرفوع عن هذه الأمة.

قال الكلبي: لم يَجهل أنه ذنب، ولكنه جهل عقوبته (٤)، ومثل هذا قال الفراء (٥).

وهذا لا يصح؛ لأنه يوجب أن من علم عقوبته وكان عالمًا بالتهديد فيه وكنه العقوبة لم تكن له توبة.

والصحيح في هذا ما قال المفسرون أن المعاصي كلها جهالة، ومن


(١) "الكشف والبيان" ٤/ ٢٦ ب، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٣٦، "تفسير الحسن البصري" ١/ ٢٦٦.
(٢) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة، "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣١، ٢٥٤.
(٣) أخرج ابن جرير بسنده عن قتادة -رحمه الله- أنه قال في هذه الآية: اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة، عمدًا كان أو غيره، "تفسير الطبري" ٤/ ٢٩٨، وانظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٢٦ ب، "معالم التنزيل" ٢/ ١٨٤.
(٤) من "الكشف والبيان" ٤/ ٢٦ ب، وانظر: "معالم التنزيل" ٢/ ١٨٤.
(٥) قال في "معاني القرآن" ١/ ٢٥٩: لا يجهلون أنه ذنب، ولكن لا يعلمون كنه ما فيه كعلم العالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>