وهكذا نجد ابن جرير في غير موضع من تفسيره، ينبري للرد على مثل هذِه الآراء التي لا تستند إلا على مجرد الرأي أو محض اللغة.
[موقفه من الأسانيد]
ثم إن ابن جرير وإن التزم في تفسيره ذكر الروايات بأسانيدها، إلا أنه في الأعم الأغلب لا يتعقب الأسانيد بتصحيح ولا تضعيف؛ لأنه كان يرى كما هو مقرر في أصول الحديث أن من أسند لك فقد حملك البحث عن رجال السند ومعرفة مبلغهم من العدالة أو الجرح، فهو بعمله هذا قد خرج من العهدة ومع ذلك فابن جرير يقف من السند أحيانًا موقف الناقد البصير، فيعدل من يعدل من رجال الإسناد، ويجرح من يجرح منهم، ويرد الرواية التي لا يثق بصحتها، ويصرح برأيه فيها بما يناسبها، فمثلاً نجده عند تفسيره لقوله تعالى في الآية (٩٤) من سورة الكهف: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}[الكهف: ٩٤] يقول ما نصه: "روى عن عكرمة في ذلك -يعني في ضم سين سدًا وفتحها- ما حدثنا به أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن أيوب، عن عكرمة قال: ما كان من صنعة بني آدم فهو السَّد، وما كان من صنع الله فهو السُّد. ثم يعقب على هذا السند فيقول: "وأما ما ذكر عن عكرمة في ذلك، فإن الذي نقل ذلك عن أيوب هارون، وفي نقله نظر، ولا نعرف ذلك عن أيوب من رواية ثقات أصحابه". اهـ (١).