للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {لَا يُؤمِنُونَ بِه} قال: أخبر أنه لما سلك في قلوبهم الشرك منعهم من الإيمان به (١). وتفسير القدرية لقوله: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أمررنا القرآن في قلوبهم بإخطاره ببالهم لتقوم الحجة عليهم (٢). وهذا التفسير خَلْفٌ (٣) فاسد؛ لم يقله أحد من المفسرين، ولا أصحاب المعاني إلا القدرية؛ وكيف يصح هذا والله تعالى يقول: {لَا يُؤمِنُونَ بِه} أفتراه سلك القرآن في قلوبهم حتى لا يؤمنوا؟ وكان من الواجب أن يؤمنوا إذا أدخل الله القرآن في قلوبهم، ثم السلك ليس بمعنى: الإمرار والإخطار؛ إنما هو بمعنى: الإدخال والإثبات، كسلك الخيط في الحريرة، يدل على هذا قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ} [المدثر ٤٢] لا يجوز أن يقال في معناه: ما أخطركم بها. والهاء في قوله: {سَلَكْنَاهُ} تعود إلى معنى قوله: {مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِين} ومعناه: كذبوا، وكذبوا يدل على التكذيب فكنى عنه، وهو قول المفسرين وأهل المعاني: سلكنا الشرك وسلكنا التكذيب، فظاهر الآية يدل على صحة قول مقاتل، وأن هذا إخبار عن مشركي مكة ولو كان خبرًا عن مشركي الأمم المتقدمة لقيل: لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فأتاهم بغتة، وقد قال:

٢٠٢ - {فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} يعني العذاب (٤) {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} به فيتمنوا الرجعة والنَّظِرَهَ (٥)، وهو قوله:


(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠٢.
(٢) بنصه، قول الطوسي، في تفسيره ٨/ ٦٣. بلفظ: "أقررناه في قلوبهم بإخطاره" وهذا تصحيف، والصواب: أمررناه.
(٣) يقال: هذا خَلْفٌ من القول؛ أي. رديء. "تهذيب اللغة" ٧/ ٣٩٤ (خلف).
(٤) "تنوير المقباس" ٣١٤. و"تفسير مقاتل" ٥٥ أ.
(٥) "تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٨٤، والماوردي ٦/ ١٣٠، ولم ينسباه.

<<  <  ج: ص:  >  >>