للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٨ - قوله (١) تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا}. أي: ويقول الراسخون: ربنا، كقوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا} [آل عمران: ١٩١].

وقوله: {لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} أي: لا تُمِلْنَا (٢) عن الهدى والقصد، كما


= الأول: تفسيرُ الكلام وبيان معناه؛ كقوله تعالى: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: ٣٦]؛ أي: بتفسيره. فيجوز بهذا المعنى عطفُ جُملَةِ {وَالرَّاسِخُونَ} على لفظ الجلالة؛ لأن الراسخين يعلمون تفسيره، ويفهمون ما أريد منهم بالخطاب القرآني.
الثاني: حقيقةُ الشيء، وما يؤول أمرُهُ إليه. ومنه قوله تعالى: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ١٠٠]، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: ٥٣]؛ أي: حقيقة ما أخبرهم الله به مِنْ أمر القيامة والبعث. فيجوز بهذا الاعتبار الوقف على لفظ الجلالة؛ لأن حقائق الأشياء وكنهها، لا يعلمها إلا الله تعالى.
وهناك معنى ثالث للتأويل عند الأصوليين والفقهاء المتأخرين عن عصر السَّلَف، وهو: صَرْفُ اللفظ عن ظاهره المتبادرِ منه، إلى مُحتَمَلٍ مرجوح، بدليل يدل عليه. وهذا المعنى ليس مُرادًا في إطلاقات السَّلَف، فهو خارجٌ عن دلالة الآية هنا. فبسبب الاشتراك في لفظ التأويل، اعتَقَدَ كلُّ مَنْ فَهمَ مِنْهُ معنًى، أنَّ ذلك هو المذكور في القرآن. ولا شكَّ أنَّ في القرآن أمورًا لا يعلمها إلا الله: كوقت قيام الساعة، وحقيقة الروح وغيرها ... وهي الأمور المتشابهة في نفسها. وهناك أمورٌ، العِلْمُ بها نِسْبيٌّ، يعلمها الراسخون في العلم دون غيرهم، وهو المتشابه الإضافي، الذي قد يَشْتَبِه على أناسٍ دون آخرين. فلا مُنافاة بين الرأيَيْنِ عند التحقق. انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" ٤٤٣٤٤٥ (شبه)، والإكليل في المتشابه والتأويل، لابن تيمية: ٨٩، ٢٠٢٥، والرسالة كلها حول هذا المعنى، وتفسير سورة الإخلاص، لابن تيمية: ١٧٤، ١٧٩، ١٨٣، ١٨٨، ١٩٣، "الرسالة التدميرية" لابن تيمية:٥٩٦٣، "تفسير ابن كثير" ١/ ٣٧٢، "بصائر ذوي التمييز" للفيروز آبادي: ٣/ ٢٩٦، "أقاويل الثقات" للكرمي: ٥٣٥٥، "فتح القدير" للشوكاني: ١/ ٤٨٢، "فتح البيان" لصديق خان: ٢/ ١٥١٧، و"مباحث في علوم القرآن" لمناع القطان: ٢١٨، ٢١٩.
(١) في (د): (وقوله).
(٢) في (د): (لا تملها).

<<  <  ج: ص:  >  >>