للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: هم أحياء عند ربهم؛ أي: في عِلْمِهِ بِعَمَلِهِم، -كذلك- كما تقول: (هذا عند الشافعي كذا)؛ أي: في عِلْمِهِ وقولِه.

وقل (١): معنى {عِنْدَ رَبِّهِمْ}: أنهم أحياء في دار كرامته، فمعنى (عند): معنى القرب والإكرام، بحضور دار السلام.

١٧٠ - وقوله تعالى: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} الاستبشار: السرور بالبِشَارَةِ (٢) يُبَشَّرُ بها. وأصل الاستفعال: طَلَبُ الفعل.

فالمستَبْشِر بمنزلة الذي طَلَبَ السُّرُورَ فوجده بالبِشَارَةِ (٣).

وفي هذا ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم يفرحون بإخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء، يقولون: إخواننا يُقْتَلُونَ كما قُتِلْنَا، فَيُصِيبونَ مِنْ كَرَامَةِ الله ما أَصبْنَا. وهذا قول:


(١) لم أقف على القائل.
(٢) في (ج): (بمنزلة البشارة). بدلًا من (السرور بالبشارة).
(٣) يرى ابن عطية أن (استفعل) -هنا- ليس بمعنى: طلب البشارة، بل بمعنى الفعل المجرد، مثل: (استغنى الله) أي: غَنيَ.
وقد ورد في اللغة: (بَشِرَ، واستبشر)، بمعنى واحد، وهو: فَرِح.
إلا أن أبا حيان يرى أن هذا المعنى لا يتعين، وأجاز أن يكون (استبشر) فعلًا مطاوعًا لـ (أبشر)؛ أي: أبشره الله، فاستَبْشَر؛ كقولهم: (أكانه الله فاستكان)، و (أراحه فاستراح). واستظهر أبو حيان هذا؛ لأن المطاوعة تدل على الانفعال عن الغير، فحصلت له البشرى بإبشار الله له بذلك، ولا يلزم المعنى إذا كان بمعنى الفعل المجرد لعدم دلالته على المطاوعة.
انظر: "المحرر الوجيز" ٣/ ٢٢١، و"لسان العرب" ١/ ٢٨٧ (بشر)، و"البحر المحيط" ٣/ ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>