للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مجيء ذلك انتظارًا منهم له؛ فكأنه عز وجل قال: هل يكون مدة إقامتهم على كفرهم إلا مقدار إيقاعي بهم وإنزالي العذاب عليهم، وهذا كما قلنا في لام العاقبة في مواضع، لمّا كانت العاقبة تؤدي إلى ذلك جُعل سببًا له وإن لم يكن في الحقيقة كذلك؛ كقوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} الآية [القصص: ٨]، وقد مر (١)، وهذا الذي ذكره صاحب النظم وجه جيد في هذه الآية لم يذكره في نظيرها في سورة البقرة والأنعام.

وقوله تعالى: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يريد كفار الأمم الماضية، وفي الآية حذف على قول الزجاج؛ لأنه قال: أي كذلك فعلوا فأتاهم أمرُ الله بالعذاب (٢)، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ}: بتعذيبهم {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: بإقامتهم على الشرك وكفران ما أنعم الله عليهم، وإن شئت حملت الكلام على التقديم والتأخير فقلت: التقدير: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} الآية، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} الآية، وهو قول ابن عباس: يريد جزاء ما عملوا من الشرك (٣)، {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}: من العذاب والنقمة.

٣٥ - قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} يعني أهل مكة، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}: من البحيرة (٤) والسائبة (٥) وسائر ما


(١) في تفسير الآية [٢٥] من هذه السورة.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٩٧، بنصه.
(٣) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٤٥، و"تنوير المقباس" ص ٢٨٥، بنحوه.
(٤) وردت فيها عدةُ أقوال؛ قال سعيد بن جبير: هي التي يمنح دَرُّها للطواغيت، فلا يحتلبها أحدٌ من الناس، وقيل: هي ناقة كانت إذا نُتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرًا، شقُّوا أذنها وامتنعوا من ركوبها وذبحها, ولا تطرد عن ماءٍ ولا تمنع من مرْعى، وقيل غير ذلك. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٢١٣، و"تفسير المُشْكِل" ص ١٥٦، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٣٥.
(٥) فيها أقوال كذلك، قال سعيد بن المسيب: هي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم، =

<<  <  ج: ص:  >  >>