للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانعامه عليه (١).

٣٢ - قوله تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} قيل: لمّا نزل (٢) قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ}، الآية، قال عبد الله بن أُبَي (٣): إنَّ محمداً يجعل طاعتَه كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه كما أحبَّت النصارى عيسى، فنزلت هذه الآية (٤) وبين فيها أنَّ طاعة الله معلقةٌ بطاعة الرسول، ولا يتمُّ لأحد طاعةُ الله، مع عصيان الرسول؛ ولهذا قال الشافعي - رضي الله عنه -: كل أمرٍ أو نهيِ، ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جرى ذلك في الفريضة واللزوم، مجرى ما أمر الله به


(١) نقل القرطبي في تفسيره قريبًا من هذا القول عن الأزهري. انظر: "تفسير القرطبي" ٤/ ٦٠، "فتح القدير" ١/ ٥٠١، "فتح البيان" ٢/ ٤٢.
وما ذكره المؤلف هنا في محبة الله تعالى هو ما عليه مذهب الأشاعرة؛ حيث ينفون هذه الصفة، وغيرها من الصفات، عن الله تعالى ويعطلونها، ويفسِّرونها إذا وردت في القرآن والسنَّة بلوازمها ومقتضياتها، من إرادة الثواب للعبد والعفو عنه والإنعام عليه كما فعل المؤلف، فينفون حقيقة صفة الله، ويحرفونها ويؤوِّلونها، بدعوى أنها توهم النقص في الذات العلية؛ لأن المحبة عندهم، هي: ميل القلب إلى ما يلائم الطبع، وهذا من صفات المخلوق، والله منزَّه عن ذلك الأمر الذي دعاهم إلى تأويل صفة المحبة، وحملها على الإرادة كما فعل المؤلف.
والذي أوقع الأشاعرة في هذا الخطأ العقدي، هو قياسهم صفات الخالق على صفات المخلوق. ومن قواعد منهج السلف الصالح: أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن ذات الحق لا تشبه ذوات الخلق، فكذلك صفاته. ومن قواعدهم: أن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر، فيثبت السلف جميع صفات الله، ويمرُّونها كما جاءت بما يليق بذاته العلِيَّة، ولا يُؤوِّلونها، ومنها: صفة المحبة. ويثبتون كذلك لوازمها من إرادة الله إكرام من يحبه وإثابته، فالله تعالى يُحِبُّ، ويُحَبُّ لذاته، وليس فقط لثوابه، كما قال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤].
وتأويل الأشاعرة ومنهم المؤلف لصفة المحبة بالإرادة، إنما هو حرْفٌ لحقيقة الصفة، وصرف لها عن وجهها الصحيح، ويقال لهم: إنَّ المعنى الذي صرفتم اللفظ إليه، هو نفس المعنى الذي صرفتموه عنه، فالإرادة، هي: ميل الإنسان إلى ما يلائمه، أو إلى ما ينفعه، ودفع ما يضره، وهي من صفات المخلوقين، والله منزَّه عن ذلك، فإن قال الأشاعرة: إرادة تليق به، قيل لهم: وكذلك له محبة، وصفات تليق به، فالسلامة والحكمة في منهج السلف.
انظر: "لوامع الأنوار البهية" للسفاريني ١/ ٢٢١ وما بعدها، "شرح العقيدة الواسطية" محمد هراس ٤٥، "التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية" لفالح آل مهدي: ١/ ٤٧، "الكواشف الجلية عن معاني الواسطية" للسلمان ١٨٣.
(٢) في (ب): (نزلت).
(٣) هو: عبد الله بن أبَيِّ بن سَلُول، العَوْفي الخزرجي. رأس المنافقين بالمدينة، وكان سَيِّد أهل المدينة قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، وقد اجتمعت الأوس والخزرج على أن يُتَوِّجوه عليهم مَلِكًا، فجاء الإسلامُ وهدى الله الحَيِّيْن له، ففَرَطَ منه هذا الشرفُ، فدخل في الإسلام مُكرَها، وأبطن النفاق والضَّغينة. انظر أخباره في "سيرة ابن هشام" ٢/ ١٧٣، ٢٣٤، ٢٣٦ - ٢٣٨، ٣/ ٥١ - ٥٣، ٦٨، ٢٠٠، ٣٠٣.
(٤) ورد هذا الأثر في "تفسير الثعلبي" ٣/ ٣٧ ب، "تفسير البغوي" ٢/ ٢٧، "زاد المسير" ١/ ٣٧٣ - ٣٧٤، وقال: (هذا قول ابن عباس)، كما ذكره الرازي ٨/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>