للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الشافعي -رضي الله عنه-: يسقط عنه بتوبته قبل القدرة عليه حد الله، ولا يسقط به حقوق بني آدم ما كان قصاصًا، أو مظلمة في المال (١).

وأما إذا تاب بعد القدرة عليه، فظاهر الآية أن التوبة لا تنفعه وتقام الحدود عليه. قال الشافعي: ويحتمل أن يسقط كل حد لله بالتوبة (٢).

وإنما قال ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد رجم ماعز (٣): "هلا رددتموه إلي لعله يتوب" (٤).

٣٥ - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}.

معنى {اتَّقُوا اللَّهَ} أينما ذكر: اتقوا عقابه بالطاعة؛ لأن أصل الإتقاء في اللغة الحجز بين الشيئين -قد ذكرناه قديمًا- (٥)، يقال: أتقي السيف بالترس، وأتقي الغريم بحقه.

وقوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}.

الوسيلة فعيلة من: وسل إليه، إذا تقرب إليه (٦)، قال لبيد:


(١) "الأم" ٦/ ١٥٢، وانظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٢٠.
(٢) لم أجده في "الأم"، وقد ذكره القرطبي في "تفسيره" ٦/ ١٥٨، والنووي في "شرح صحيح مسلم" ١١/ ١٩٤، وقال القرطبي في "تفسيره" عقبه: والصحيح من مذهبه أن ما تعلق به حق الآدمي قصاصًا كان أو غيره فإنه لا يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه.
(٣) هو ماعز بن مالك الأسلمي، وقيل: إن اسمه: عريب، وماعز لقبه، له صحبة، وقصة رجمه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي مشهورة. انظر: "أسد الغابة" ٥/ ٨، "الإصابة" ٢/ ٤٧٩، ٣/ ٣٣٧.
(٤) أخرج هذه الرواية أبو داود (٤٤١٩) كتاب الحدود، باب: رجم ماعز بن مالك، وانظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي ١١/ ١٩٤.
(٥) انظر: "البسيط" البقرة: ١٨٩.
(٦) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>