للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعلى هذا القول: (الحَصور)، بمعنى: (المحصور)، وهو الذي حُصر عنهن، على (١) قول الجمهور، وهو (فَعُول) بمعنى (فاعل)؛ لأنه حَبَس نفسه عنهن. وقد استقصينا هذا الحرف عند قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: ١٩٦].

٤٠ - قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} ذهب كثير من


= هَيُوبا [أي: يهاب الفعل المعروف]، أو لا ذَكَر له، بل قد أنكر هذا حذَّاق المفسرين، ونقَّاد العلماء، وقالوا: هذه نَقيصةٌ وعيب، ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه: أنه معصوم من الذنوب؛ أي: لا يأتيها، كأنه حُصِر عنها، وقيل: مانعا نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء. فقد بان لك من هذا؛ أنَّ عدم القدرة على النكاح، نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة، ثمَّ قمْعُها؛ إمَّا بمجاهدة، كـ (عيسى) عليه السلام، أو بكفاية من الله تعالى كـ (يحيى) عليه السلام فضيلة زائدة؛ لكونها مُشْغلةً في كثير من الأوقات، حاطَّةً إلى الدنيا؛ ثم هي في حقِّ من أقْدِر عليها، ومُلِّكَها، وقام بالواجب فيها، ولم يشغله عن ربه درجةٌ علياء، وهي درجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي لم تشغله كثرتُهُنَّ عن عبادة ربِّه؛ بل زاده ذلك عبادة؛ لتحصينهنَّ، وقيامه بحقوقهنَّ، واكتسابه لهنَّ، وهدايته إيَّاهن؛ بل صرَّح أنها ليست من حظوظ دنياه هو، وإن كانت من حظوظ دنيا غيره) ثم ساق القاضي عياض الأدلة على ذلك. انظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض: ص ٨٨. ثم يقول ابن كثير: (والمقصود، أنه مَدْح ليحيى بأنه حَصُورٌ، ليس أنه لا يأتي النساء؛ بل معناه: .. أنه حصور عن الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال، وغشيانهنَّ، وإيلادهنَّ، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم، حيث قال: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} كأنه قال: ولدا لهُ ذرية ونسل وعَقِب. والله سبحانه وتعالى أعلم). "تفسير ابن كثير" ١/ ٣٨٨. وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ٨/ ٤٠ وقال بأنه (اختيار المحققين)، "غرائب القرآن" للنيسابوري ٣/ ١٨٣، "تفسير الخازن" ١/ ٢٨٩.
(١) في (ج): (وعلى).

<<  <  ج: ص:  >  >>