للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشمس؛ لأنه يقبض أيضًا قبضًا يسيرًا على التدرج.

وعلى هذا معنى الآية: ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء قبضًا يسيرًا (١).

٤٧ - قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} قال ابن عباس: يريد ألبسته الظلمة ليسكن فيه. وعلى هذا المعنى: ذا لباس من الظلمة؛ أي: أُلبس الظلمة ليُتركَ فيه العملُ والتصرف. قال مقاتل: يعني سكنًا (٢). وهو معنى وليس بتفسير، واعتباره بقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [يونس: ٦٧] (٣). وقال أهل العربية، والمعاني: جعل الليل لباسًا؛ لأن ظلمته تلبس كل شخص وتغشاه حتى يمنع من إدراكه، وهو مشتمل عليكم وعلى كل شيء كاللباس الذي يشتمل على لابسه (٤). ومن هذا قول ذي الرمة:


(١) واختار هذا القول ابن جرير ١٩/ ٢٠، حيث قال: ثم قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضًا خفيًا سريعًا بالفيء الذي نأتي به بالعشي. وفي الآية وجه آخر؛ وهو: أن يكون المراد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه، وقوله تعالى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [سورة: الفرقان: -الآية: ٤٦] كأنه يشعر بذلك. مدارج السالكين ٣/ ٢٩٣. و"تفسير البيضاوي" ٢/ ١٤٣. و"تفسير أبي السعود" ٦/ ٢٢٣. وهذا القول فيه بعد؛ إذ المراد جعل ذلك آية ظاهرة مشاهدة للناس يدركونها ويشاهدونها في حياتهم؛ والقول بأن المراد به عند قيام الساعة لا يؤدي هذا المعنى. والله أعلم.
(٢) "تفسير مقاتل" ص ٦٤ أ. وهو قول الهوَّاري ٣/ ٢١٢.
(٣) "تأويل مشكل القرآن" ص ١٤٤، وذكر فيه أيضًا قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: ١٨٩].
(٤) "تهذيب اللغة" ١٢/ ٤٤٤ (لبس)، بمعناه. وفي "تنوير المقابس" ص ٣٠٤؛ ملبسا يلبس كل شيء فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>