للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قول الأخفش قال: كأنه قال: فَطَرَ الله تلك فِطرَةً (١). ونحو ذلك قال الفراء (٢).

معنى الآية: أن الكلام قد تم عند قوله: {حَنِيفًا} ثم أخبر -عز وجل- أنه خلق الخلق على ما أراد من شقاوة وسعادة، ولا تبديل لذلك. وفيه إشارة إلى أن الكفار الذين سبق ذكرهم خُلقوا للنار، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين خلقوا للجنة؛ لأن قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} خطاب له وللمؤمنين، يدل عليه قوله بعد هذا: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} بلفظ الجمع، وإن قلنا: إن {فِطْرَتَ اللَّهِ} يعني: دين الله التوحيد، على ما ذكر المفسرون فانتصابها يكون بالإغراء، وهو قول الزجاج، وقال: {فِطْرَتَ اللَّهِ} منصوب، بمعنى: اتبع فطرة الله؛


= عن عكرمة ومجاهد والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة في قول الله -عز وجل-: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} قالوا: {فِطْرَتَ اللَّهِ} دين الله الإسلام {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} قالوا لدين الله". نقله عنه شيخ الإسلام، "درء تعارض العقل والنقل" ٨/ ٣٦٧.
ويدل لذلك ما أخرجه ابن جرير ٢١/ ٤١، عن ابن عباس أنه سئل عن إخصاء البهائم فكرهه؛ وقال: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} وعن عكرمة ومجاهد كذلك. قال شيخ الإسلام: "لا منافاة بينهما كما قال تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩] فتغيير ما خلق الله عليه عباده من الدين تغيير لخلقه، والخِصاءُ وقطع الأُذن أيضًا تغيير لخلقه، ولهذا شبه النبي -صلى الله عليه وسلم-، أحدهما بالآخر في قوله: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تُنتج البهيمة بهيمةً جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" فأولئك يغيرون الدين، وهؤلاء يغيرون الصورة بالجَدْع والخِصاء، هذا تغيير لما خُلقت عليه نفسه، وهذا تغيير ما خُلق عليه بدنه".
(١) "معاني القرآن" ٢/ ٦٥٧.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٢٤، ولفظه: يريد: دينَ الله، منصوب على الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>