للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولكم، والله -عز وجل- لا شريك له (١). والمعنى إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدًا جل وعز فأنا أول الموحدين؛ لأن من عبد الله واعترف أنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد، واختاره ابن قتيبة فقال: لما قال المشركون لله ولد ولم يرجعوا عن مقالتهم بما أنزل الله على رسوله من التبرؤ من ذلك، قال الله لرسوله: قل لهم إن كان للرحمن ولد أي عندكم وفي ادعائكم فأنا أول العابدين؛ أي: أول الموحدين، ومن وحد الله فقد عبده، ومن جعل له ولدًا وندًا فليس من العابدين، وإن اجتهد، ومنه قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] أي ليوحدون (٢)، واختاره الأزهري أيضًا فقال: المعنى إن كان للرحمن ولد في دعواكم، فالله -عز وجل- واحد لا شريك له، وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد (٣).

الوجه الثاني: أن يكون {الْعَابِدِينَ} من عبد بمعنى غضب، قال ابن عباس: إن كان للرحمن ولد كما تزعمون فأنا أول من غضب للرحمن أن يقال: له ولد (٤) وأنشد:

متى ما يَشَأ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَه ... وَيعْبَدْ عليه لا محالَة ظَالِما (٥)


(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٠.
(٢) انظر: "مشكل القرآن وغريبه" لابن قتيبة ٢/ ١٢٤.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (عبد) ٢/ ٢٣١.
(٤) ذكر ذلك البغوي ٧/ ٢٢٣ ولم يشبه، وانظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٤١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٢٠.
(٥) لم أقف على قائل هذا البيت، والشاهد فيه قوله: ويعبد عليه: أي يغضب عليه. وقد استشهد ابن جرير في "تفسيره" ١٣/ ١٠٢ بالبيت نفسه. وكذلك استشهد به ابن عطية ١٤/ ٢٧٨، وكذلك استشهد به السمين الحلبي في "الدر المصون" ٦/ ١٠٨ ونسبه محققو "الدر" للمرقش الأصغر. انظر: "المفضليات" ص ٥٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>