للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا القول هو الصحيح في العبقري، وذلك أن العرب إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن أو شبهته بهم ومنه قول لبيد (١):

جِنُّ الْبَدِيٍّ رواسيًا أقدامُها

وقال آخر يصف المرأة:

جنية أو لها جن يعلِّمُها ... رمي القلوب بقوس ما لها وتر

وذلك أنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة، وأنهم يأتون بكل أمر عجيب، ولما كان عبقر معروفًا بسكناهم فسموا كل شي مبالغ فيه إليها، ويريدون بذلك أنه من عملهم وصنعتهم هذا هو الأصل (٢)، ثم صار العبقري اسما ونعتا لكل ما بولغ في صفته، ويشهد لما ذكر بيت زهير فإنه نسب الجن إلى عبقر فثبت به أنها مكانهم، ثم رأينا أشياء كثيرة نسبت إلى عبقر غير البسط والثياب، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في صفة عمر (عبقريًّا).

وروى سلمة عن الفراء قال: العبقري السيد من الرجال، وهو الفاخر من الحيوان والجوهر (٣).

فلو كانت عبقر مخصوصة بالوشي لما نسب إليها غير الموشى، وإنما نسب إليها البسط الموشاة العجيبة الصنعة لما ذكرنا نسب إليها كلما بولغ في وصفه.


(١) وصدره:
غُلِبَ تَشَذو بالذَّخُولِ كانَّها
ومعناه: أنهم رجال غلاظ الأعناق كالأسود يهدد بعضهم بعضًا بسبب الأحقاد التي بينهم. ثم شبههم بجن هذا الموضع (البدّي) في ثباتهم في الخصام والجدل. وانظر: "ديوانه" ص ١٧٧، و"شرح المعلقات السبع" للزوزني ص ٩٠ , و"الإنصاف" ص ٧٧٢، و"الخزانة" ٤/ ١٥٧.
(٢) انظر: "اللسان" ٢/ ٦٧٢، (عبقر) , و"الجامع" للقرطبي ١٧/ ١٩٢.
(٣) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٧٨، و"المفردات" (عبقر)، و"اللسان" ٢/ ٦٧٢ (عبقر).

<<  <  ج: ص:  >  >>