للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اليأس وبين قطع الطمع. وليس قولُ من قال: المراد بالفريق هاهنا الذين سمعوا كلامَ الله في وقت المناجاة أولى من القول الأول بأن هؤلاء سمعوا كلام الله على الحقيقة (١)، من جهة أن الكلام يضاف إلى المتكلم على وجهين، وكلاهما حقيقة: أحدهما: يضاف إليه على أنه المظهر له.

والآخر: يضاف إليه على معنى الحكاية لما كان مظهرًا له.

يوضح ذلك أنك تقول: هذا كلام سيبويه (٢) بعينه إن لم يحكه الحاكي على المعنى دون تأدية اللفظ (٣)؛ ولهذا نقول: القرآن كلام الله على الحقيقة، وإن كنا لا نسمعُ الله يقولُ ذلك عند تلاوته.

وقوله تعالى: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} التحريفُ: تفعيلٌ من الحَرْف، والحَرْفُ في أصل اللغة: حدّ الشيء وحِدَتُهُ، ومِنْه يقال: طعامٌ حِرِّيْفٌ، يراد حِدَّتُهُ، فالتحريف أن يَجْعَلَ للشيء حَرْفًا كتحريف القلم. هذا أصل معناه في اللغة، ثم استعمل في معنى الإمالة والتغيير، وهذا المعنى راجع إلى أصله في اللغة؛ لأن بالإمالة يصير الشيءُ ذا حَرْفٍ، ألا ترى أن القلم إنما يصير مُحَرَّفًا إذا أُمِيلَ قَطْعُهُ في أحد الجانبين، فصار التحريف اسمًا لتغيير الشيء عن وجهه (٤).


(١) يريد: سمعوا كلام الله من رسوله أو من كتابه المنزل.
(٢) هو: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، وقد تقدمت ترجمته في المقدمة.
(٣) يريد: إن حكاه الحاكي بلفظه. ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨٣، "اللسان" ٢/ ٩٥٤، "مقاييس اللغة" ٢/ ٤٢.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٨، "تهذيب اللغة" ١/ ٧٨٦، "المفردات" للراغب ص ١٢١ وقال: وتحريف الشيء إمالته كتحريف القلم، وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين.

<<  <  ج: ص:  >  >>