للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن قلنا: إن المراد هناك: التحويل عن بيت المقدس، وهو أظهر التأويلين (١)، فمعنى قوله: {مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} أي: يوافقه في التوجه إلى الكعبة، والانحراف عن بيت المقدس {مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: يرتّد عن الدين فيرجع إلى اليهودية، أو إلى ما كان عليه. وذلك أن الله تعالى جعل نسخ القبلة عن الصخرة إلى الكعبة ابتلاء لعباده المؤمنين، فمن عصمه ووفقه صدَّق الرسول في ذلك، وعلم أن لله (٢) تعالى أن يتعبد عباده بما شاء، وأن له أن ينسخ ما تعبدهم به، فيحولهم إلى غير ذلك، وأن الصلاح لهم فيما يأمرهم به، ومن لم يعصمه شَكَّ في دينه، وتردد عليه أمره، وظن أن محمدًا في حَيْرة من أمره، فارتد عن الإسلام.

والانقلاب على العَقِب: عبارة عن الانصراف إلى حيث أقبل منه؛ لأن عقبَ الإنسان يكون وراءه، فإذا رجع إلى وراء يقال: نكص على عقبيه، وانقلب على عقبيه، أي: انصرف راجعًا (٣).

قال ابن عباس: {مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} يريد: من يرجع إلى دينه الأول (٤)، يعني: المنافقين، وسمي العقب عقبًا؛ لأنه يتلو القدَمَ، وأصل هذا الباب: الإتباع (٥).

وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} قال سيبويه: {وَإِنْ} تأكيد شبيه


(١) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٢٥.
(٢) في (م) و (ش): (الله).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٠.
(٤) هذه من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها بالمقدمة.
(٥) ينظر: "المفردات" ص ٣٤٣ - ٣٤٤، "اللسان" ٥/ ٣٠٢٢ (عقب).

<<  <  ج: ص:  >  >>