للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما اللفظ: فرجوع البغي والعدوان إلى حال المضطر أولى من رجوعهما إلى أكله، وهو المفهوم من اللفظ؛ لأنه لم يسبق للأكل ذكر حتى يكون البغي والعدوان صفةً له، راجعًا إليه، ومثله من الكلام أن يقال: قد حرم الأمير ركوب الخيل، ولبس السلاح، فمن أُحوِج (١) غير فارٍّ ولا ذاهبٍ فلا حرج عليه، فالذي يسبق إلى الوهم من هذا، ويليق باللفظ، أن معناه: غير فار بنفسه ولا ذاهب، وأن الفرار والذهاب يعود إلى نفس المضطر، لا إلى شيء سواه. وَوِزان التأويل الثاني من هذا الكلام: أن يكون المعنى: غير فار بسلاحه، ولا ذاهب به.

وأما من حيث المعنى: فإن نفس المؤمن يعاف الميتة والدم، ويستقذرهما (٢) استقذارا يمنعه من أكلهما؛ ولهذا لا يقام الحد على آكلهما، لأنه لم يحتج في الزجر عنهما إلى الحد، لا كالخمر فإن لها دواعي من النفس، وإذا كان كذلك فليس يتجاوز أحدٌ في أكل الميتة قدر التشبع عند الضرورة، ولا يتعدى الحلال الذي معه، فيأكلها تلذذًا من غير أن يَرِدَ بهذا نهي، وإن جاز ورود النهي تأكيدًا؛ فلهذين الوجهين: قلنا إن التأويل الأول أولى.

وقوله تعالى: {إِنَّ الله غَفُوُرُ} أي: للمعاصي، وفيه إشارة إلى أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يأخذُ بما جعل فيه الرخصة. {رَحِيمٌ} حيث رَخَّصَ للمضطر في أكل الميتة (٣).


(١) في (ش): (أخرج).
(٢) في (ش): (تعاف وتستقذرهما).
(٣) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>