للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى التعجب: تَغَيُّر النفسِ لما يَرِدُ عَليها مما (١) جُهِل سَبَبُهُ جدًّا، ونقل لفظ الفعل في التعجب من الثلاثي إلى الرباعي؛ لأنا ذكرنا أن التقدير: شيء أحسن زيدًا، فصار زيد مفعولًا لغيره، ولهذا انتصب المتعجب منه؛ لأنه مفعول في الحقيقة، والدليل على أنَّ أحسن هاهنا فعل: لزومُ الفتحِ آخره (٢). ولو كان اسمًا لوجب أن يرتفع؛ إذ كان خبر المبتدأ، فلما لزمه الفتح دل على أنه فعل ماض. وقد يصغَّرُ فعلُ التعجب، فيقال: ما أُحَيْسِنَ زيدًا، كقول الشاعر:

يا ما أُمَيْلح غزلانًا (٣) شدنّ (٤) لنا (٥)

وتصغيره لا يدل على أنه اسم، وذلك أن فعل التعجب قد لزم طريقةً واحدةً، فجرى في اللفظ مجرى الأسماء، فأدخلوا عليه التصغير تشبيهًا بالاسم، وليس يجب أن يكون الشيء إذا حمل على غيره لشبه بينهما أن يُخرج من جنسه، ألا ترى أن اسم الفاعل قد أُعمل عمل الفعل ولم يخرج من أن يكون اسمًا، وكذلك الفعل أعرب؛ لشبهه بالاسم ولم يخرجه ذلك من أن يكون فعلًا، فكذلك فعل التعجب وإن صُغِّر تشبيهًا بالاسم؛ لم يجب أن يكون اسمًا (٦). فقد بان بما ذكرنا أن قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ} إذا


(١) في (ش): (ما).
(٢) مذهب البصريين أنه فعل، وأما الكوفيون فيرون أنه اسم. ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤.
(٣) في (م): (عن). وفي (أ): (عزلانا).
(٤) في (م): (شدان).
(٥) تكملة البيت:
من هؤليائكن الضال والسمر
والبيت للمجنون في "ديوانه" ص ١٣٠، ونسب لآخرين.
(٦) ينظر في ما تقدم: "المقتضب" للمبرد ٤/ ١٧٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>