للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنه يريد: فما أعملهم بأعمال أهل النار (١).

قال أصحاب المعاني: ومعنى التعجب من الله أنه يُعجِّب المخلوقين، ويدلُّنا على أنهم قد حلّوا محلّ من يتعجب منه (٢)، ولا يجوز على الله التعجب؛ لأنا قد ذكرنا أن التعجب إنما هو مما لا يعرف سببه، والله تعالى عالم لا يخفى عليه شيء (٣).

الوجه الثاني من التأويل: أن (ما) في هذه الآية استفهام يتضمن التوبيخ، معناه: ما الذي صبرهم؟، وأي شيء صبرهم على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ وهذا قول عطاء (٤) وابن زيد (٥)، وقد ذكرنا عن ابن


(١) تقدم الحديث عن هذه الرواية. وقد ورد هذا عن مجاهد في "تفسيره" ص ٩٤، ورواه عنه الطبري ٢/ ٩١، وسعيد بن منصور في "سننه" ٢/ ٦٤٧، وأبو نعيم في "الحلية" ٣/ ٣٣١.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٢، "زاد المسير" ١/ ١٧٦.
(٣) قد دلت النصوص على إثبات صفة التعجب لله، وعقيدة أهل السنة إثباتها كما جاءت دون تأويل، قال الله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}، في قراءة ضم تاء الفاعل، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره" رواه أحمد ٤/ ١١ - ١٢، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يعجب ربك من شاب ليست له صبوة" رواه أحمد ٤/ ١٥١، وفيه ضعف، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عجب الله عز وجل من قوم بأيديهم السلاسل حتى يدخلوا الجنة" أخرجه البخاري (٣٠١٠) كتاب الجهاد والسير، باب: الأسارى في السلاسل وغيرها. وحقيقة التعجب: استغراب الشيء، ويكون ذلك لسببين: الأول: لخفاء الأمر على المستغرب المتعجب، وهذا مستحيل على الله؛ لأن الله عليم بكل شيء. والثاني: لخروج ذلك الشيء عن نظائره، وعما ينبغي أن يكون عليه، بدون قصور من المتعجب، وهذا ثابت لله عز وجل، وليس فيه نقص. ينظر: "شرح العقيدة الواسطية" للشيخ محمد العثيمين ٢/ ٤٤٦، "الأسماء والصفات" للبيهقي ٢/ ٤١٥.
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ٩١، وذكره عنه الثعلبي.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٩١، ورواه أيضا عن أبي بكر بن عياش، وزاد نسبته في "زاد =

<<  <  ج: ص:  >  >>