للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى السؤال هاهنا: تبكيتٌ للمسؤول عنه وتقريع له، لا تَعَرُّفٌ منه، كما يقال: سله كم أنعمت عليه فكفر نعمتي! وكم حذرته فلم ينته! كذلك هؤلاء، أنعم الله عليهم نعمًا من فَلْقِ البحر لهم، وإنجائهم من عدوهم، وأنزل عليهم المَنَّ والسلوى، فكفروا بهذه النعم حتى لم يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبينوا نعته (١)، ولهذا قال بعضهم: في الآية إضمار واختصار، تقديره: سلهم كم آتيناهم من آية بينةٍ فكفروا بها، ويدل على هذا الإضمار قوله: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ} يعني: أنهم بدلوا بالكفر بها، وترك الشكر لها (٢).

والتبديل: تصيير الشيء على غير ما كان (٣)، ونذكر الكلام فيه مستقصى عند قوله: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: ٥٦] إن شاء الله. والله تعالى هو الذي يبدل النعمة نقمة إذا كُفِرَت ولم يُعْرف حقها، ولكن أضاف التبديل إليهم؛ لأنه بسبب من جهتهم، وهو ترك الشكر والقيام بحقها (٤)، ثم بين حكم من بَدّل بباقي الآية.

وفي قوله: {شَدِيدُ العِقَابِ} إضمار، يريد: شديد العقاب له (٥).


= إعرابها هنا: "التبيان" ص ١٢٩، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٦، "الدر المصون" ٢/ ٣٦٦ - ٣٦٧، وذكروا وجها آخر وهو الرفع بالابتداء (وآتيناهم) خبرها، وضعفه سيبويه وأبو حيان.
(١) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٢، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٦، وذكر في "زاد المسير" ١/ ٢٢٧ قولًا آخر وهو أن المراد بالاستفهام التقرير والإذكار بالنعم.
(٢) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٣.
(٣) ينظر: "المفردات" ص ٥٠.
(٤) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٤.
(٥) قال في "التبيان" ص ١٣٠: ومن يبدل: في موضع رفع بالابتداء، والعائد الضمير في يبدل، وقيل: العائد محذوف تقديره: شديد العقاب له.

<<  <  ج: ص:  >  >>