للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن النعمة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من الناس أحد أمنّ علينا في صحبته ولا ذات يده من ابن أبي قحافة (١) ".

يريد: أنعم وأسمح بماله، ولم يرد المنة التي تهدم الصنيعة، والله تعالى يُوصَفُ بأنه مَنَّان، أي: منعم. قال أهل اللغة: المن: الإحسانُ إلى من لا يستثيبه، ولهذا يقال: الله تعالى منّان، لأن إحسانه إلى الخلق ليس لطلب ثواب، ومن هذا قوله: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ} [ص: ٣٩] وقوله: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] أي: لا تعط لتأخذ من المكافأة أكثرَ مما أعطيت (٢).

والمنّ في اللغة أيضًا: النقص من الحق والبخس له، قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: ٣] يقال: غير مقطوع، وغير منقوص، ومن هذا يسمى الموت: مَنُونًا؛ لأنه يُنْقِصُ الأَعْدَاد، ويقطع الأعمار (٣).

ومن هذا: المِنَّةُ المذمومة؛ لأنها تُنْقِصُ النعمة وتُكَدِّرُها، قال


(١) أخرجه البخاري (٤٦٦) كتاب: الصلاة، باب: الخوخة والممر من المسجد، ومسلم (٢٣٨٢) كتاب: "فضائل الصحابة"، باب: من فضائل أبي بكر، والإمام أحمد في "مسنده" واللفظ له حديث رقم (١٥٤٩٢).
(٢) في (ي): (أعطيتك).
(٣) ينظر في معاني المن: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٩ - ٣٤٦٠ (مادة: منن)، "المفردات" ٤٧٧، "لسان العرب" ٧/ ٤٢٧٩، "عمدة الحفاظ" ٤/ ١٣١ - ١٣٢. وذكر الراغب أن المنة يراد بها: النعمة الثقيلة، ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: منَّ فلان على فلان، إذا أثقله بالنعمة {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى. والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة، ويقبح ذلك، قيل: المنة تهدم الصنيعة, ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النعمة حسنت=

<<  <  ج: ص:  >  >>