للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" (١) فقال -رحمه الله-: ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد، فإنها على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.

والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.

والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك (٢).

وقال في موطن آخر -بعد ذكره لبعض أخبارهم-: وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افتُري في هذه الأمة -مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها- أحاديثُ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بالعهد من قدم، فكيف بأمة بني إسرائيل، مع طول المدى، وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتب الله وآياته، وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل، فأما ما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل (٣).


(١) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل برقم (٣٤٦١).
(٢) "تفسير ابن كثير" ص ١٢.
(٣) "تفسير ابن كثير" ص ١٦٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>