(وهذا القول حسن؛ لأن معنى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}: اتَّقوه بغاية الطاقة، فهو قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} إذ لا جائز أن يكلِّفَ اللهُ أحدًا ما لا يطيق، وتقوى الله بغاية الطاقة واجب فرض لا يجوز نسخه؛ لأن في نسخه إجاة التقصير من الطاقة في التقوى، وهذا لا يجوز). "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ١٧١. ويؤكد هذا ما ورد عن طاوس بن كيسان في تفسير هذه الآية، وهو قوله: (وهو أن يُطاع فلا يُعصَى، فإن لم تفعلوا، ولن تستطيعوا، {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، قال: على الإسلام، وعلى حرمة الإسلام). أخرجه الطبري في "تفسيره" ٤/ ٣٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٧٢٣ واللفظ له. ويرجح هذا المعنى: أن معنى النسخ عند السلف أعم وأشمل من المعنى الإصطلاحي، وهو: (رفع حكم شرعي متقدم بدليل شرعي متأخر عنه)، بل يشمله ويشمل غيره، وقد بين الشاطبي هذا الأمر فقال: (الذي يظهر من كلام المتقدمين، أن النسخ عندهم في الإطلاق، أعم منه في كلام الأصولين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخًا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخًا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل متأخر نسخا؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الإصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد: ما جيء به آخرًا، فالأول غير معمول به، والثاني هو المعمول به). الموافقات: ٣/ ١٠٨. وبمثله قال ابن القيم في إعلام الموقعين: ١/ ٣٥. وممن رجح كون الآية محكمة غير منسوخة، وأن المراد بها هو: تقوى الله قدر الاستطاعة: الطبري في "تفسيره" ٤/ ٢٩، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٣/ ٢٤٦، وابن الجوزي في المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم "الناسخ والمنسوخ" ١٢٢، والكيا الهراسي في "أحكام القرآن" ١/ ٢٩٨، والفخر الرازي في "تفسيره" ٨/ ١٦٧. ومن المعاصرين: د. مصطفى زيد في "النسخ في القرآن" ٢/ ٦١٤ - ٦١٥.