وقال الحسن وقتادة والربيع وابن زيد: غير باغ بأكله من غير اضطرار، ولا عاد يتعدى الحلال إلى الحرام، فيأكلها وهو غني عنها.
وعلى طريقة هؤلاء يُباح للعاصي بسفره تناول الميتة عند الضرورة، وهو مذهب أهل العراق.
والتأويل الأول أولى من حيث اللفظ والمعنى.
أما اللفظ: فرجوع البغي والعدوان إلى حال المضطر أولى من رجوعهما إلى أكله، وهو المفهوم من اللفظ؛ لأنه لم يسبق للأكل ذكر حتى يكون البغي والعدوان صفة له، راجعًا إليه، ومثله من الكلام أن يقال: قد حرم الأمير ركوب الخيل، ولبس السلاح، فمن أحوج غير فارٍّ ولا ذاهبٍ فلا حرج عليه، فالذي يسبق إلى الوهم من هذا، ويليق باللفظ، أن معناه: غير فار بنفسه ولا ذاهب، وأن الفرار والذهاب يعود إلى نفس المضطر، لا إلى شيء سواه.
وَوِزان التأويل الثاني من هذا الكلام: أن يكون المعنى: غير فار بسلاحه، ولا ذاهب به.
وأما من حيث المعنى: فإن نفس المؤمن يعاف الميتة والدم، ويستقذرهما استقذارًا يمنعه من أكلهما؛ ولهذا لا يقام الحد على آكلهما؛ لأنه لم يحتج في الزجر عنهما إلى الحد، لا كالخمر فإن لها دواعي من النفس، وإذا كان كذلك فليس يتجاوز أحدٌ في أكل الميتة قدر التشبع عند الضرورة، ولا يتعدى الحلال الذي معه، فيأكلها تلذذًا من غير أن يَرِدَ بهذا نهي، وإن جاز ورود النهي تأكيدًا، فلهذين الوجهين قلنا إن التأويل الأول أولى.
٧ - وجدت بالتتبع أنه ينقل غالب الأحكام من تفسير شيخه الثعلبي،