للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جريح: هذه الآية في رد مفاتيح الكعبة إلى عثمان (١).

والصحيح ما عليه الجمهور، أنها عامة في جميع الأمانات (٢)، فمن كانت عنده أمانة فعليه تأديتها إذا طالبه صاحبها. وليس عليه مؤونة نقلها إلى صاحبها؛ لأن الله تعالى لم يوجب عليه سوى التأدية.

والأمانة مصدر سمي به المفعول، ولذلك جُمع لأنه أخلص اسمًا (٣)، قال الشاعر:

فأخلفن ميعادي وخن أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دينُ (٤)

يريد ما أمنهن عليهن.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} (٥). الكناية في (به) تعود إلى ما في (نعما) وهو اسم بمنزلة: نعم شيئًا يعظكم به، أو وعظًا يعظكم به. وذكرنا وجوه القراءات في (نعما) في سورة البقرة.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ٥٨]. أي هو سميع لما تقولون في الأمانة والحكم، بصير بما تعملون فيها (٦)، فيكون بصير ههنا بمعنى: عليم، ويجوز أن يكون بمعنى راءٍ ذلك.

وذكر فرق لطيف بين السامع والسميع، فقيل: لفظ السامع يدل على وجود المسموع؛ لأنه فاعل من قولك: سمعتُ كلام فلان فأنا سامعٌ له. ومعنى سميع أنه إذا وجد المسموع سمعه. وكذلك الفرق بين مُبصر وبصير.


(١) تقدم الأثر عنه.
(٢) انظر: الطبري ٥/ ١٤٦، و"معاني الزجاج" ٢/ ٦٦، و"بحر العلوم" ١/ ٣٦٢, و"أحكام القرآن" للهراسي ٢/ ٤٧١، والقرطبي ٥/ ٢٥٦.
(٣) انظر: القرطبي ٥/ ٢٥٦.
(٤) نسب إلى كثير عزة في "العقد الفريد" ٦/ ١٨٤، ينظر: "ديوانه" ص ٢٣٠، و"الأغانى" ٥/ ١٠٨.
(٥) انظر: "البحر المحيط" ٣/ ٣٧٧.
(٦) انظر: الطبري ٥/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>