للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تعلق للقدرية بهذه الآية؛ لأن الحسنة والسيئة المذكورتين هنا لا ترجعان إلى الطاعة والمعصية وأكساب العباد بحالٍ، ولا يجوز ذلك (١) قال ابن الأنباري: لأن الحسنة التي يُراد بها الخير والطاعة لا يقال فيها: أصابتني، إنما يقال: أصبتها , وليس في كلام العرب: أصابت فلانًا حسنةٌ على معنى: عمل خير، وكذلك: أصابته سيئة، على معنى عمل معصية، غير موجود في كلامهم، إنما يقولون: أصاب سيئة، إذا عملها واكتسبها، واللغة تُروى، ولا تُعمل عملًا، فانفساخ قول القدرية واضح بين.

وأكد الحسين بن الفضل هذا المعنى فقال: لو كانت الآية على ما يقول أهل القدر لقال: ما أصبت، ولم يقل: ما أصابك؛ لأن العادة جرت بقول الناس: أصابني بلاءً ومكروه، وأصابني فرح ومحبوب، ولا يكاد يسمع: أصابني الصلاة والزكاة، والطاعة والمعصية، فالحسنة والسيئة في هذه الآية ماستان مصيبتان، ولا ممسوستان مصابتان، وإذا كانتا بهذه الصفة لم يكن بيننا وبين أهل القدر خلاف أنهما تكونان من فعل الله تعالى وخلقه، كالخصب والجدب، والنصر والهزيمة.

وإذا صح هذا كان معنى قوله: {فَمِنْ نَفْسِكَ} على ما ذكره المفسرون وأرباب المعاني، وبطل تعلقهم بالآية.

ومن المفسرين من أضمر في الآية شيئًا، وهو ما يُروى عن أبي صالح أنه قال: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وأنا قدَّرتُها عليك (٢).


(١) انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٨٩ ب، "معالم التنزيل" ٢/ ٢٥٢، ٢٥٣، "التفسير الكبير" ١٠/ ٩٠ - ١٩٢.
(٢) أخرجه الطبري ٥/ ١٧٥ - ١٧٦؛ وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ٣٣٠ - ٣٣١ أيضًا إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم, وقد ورد =

<<  <  ج: ص:  >  >>