للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: أليس يغفرها بالتوبة؟ فلم أطلق القول بأنه لا يغفر أن يُشرك به؟ قيل: إنه بمعنى أنَّ الله لا يغفر للمشرك به، وإذا تاب المشرك زال عنه هذا الوصف، وُيسمى مشركًا ما أقام على الشرك، ويقول (١) هذا الإطلاق مقيد بالآيات الدالة على قبول التوبة، كقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} [الأنفال: ٣٨]، وقوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: ٣]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} إلى قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: ٦٢].

قال أهل العلم: وكل كافر فهو مشرك، وإن لم يعبد مع الله غيره، وكل من حكمنا بكفره جاز أن نسميه مشركًا، لأنه قد بلغ بعظم جرمه مبلغ جرم المشرك في عبادة الله عز وجل، كما أن من تكبر على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخضع لنبوته كافر، وإن لم يجحد نبوته.

قال الزجاج: إنَّ كل كافر مشرك بالله، لأن الكافر إذا كفر بنبي فقد زعم أن الآيات التي أتى بها ليست من عند الله، فيجعل ما لا يكون إلا لله عز وجل لغير الله، فيصير مشركًا (٢).

وقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.

قال ابن عباس: "يغفر ما دون الشرك لأهل التوحيد" (٣).

قال العلماء من أهل التفسير: لما أخبر الله تعالى أنه يغفر الشرك بالتوبة، علمنا يقينًا أنه يغفر أيضًا ما دون الشرك بالتوبة، فهذه المشيئة في


(١) هكذا هذِه الكلمة في المخطوط، ولعل الصواب: "ويكون" وتكون كلمة "مقيد" بعد ذلك منصوبة خبر يكون.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٠٧.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>