للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والوجه الآخر: أن تجعل قوله: {إِنِّي مَعَكُمْ} جزاء تقدم شرطًا، ثم جاء الشرط بعده وهو قوله: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ} إلى ما اتصل به، ثم تضمر شرطًا لقوله: {لَأُكَفِّرَنَّ} على تقدير: إن فعلتم ذلك لأكفرن، كما قال في سورة الصف {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} [الصف: ١٠] ثم بين تلك التجارة ما هي فقال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى آخر الآية، ثم ابتدأ شرطًا آخر مضمرا وأظهر جزاءه، فدل الجزاء الظاهر على الشرط المضمر (١)، وهو قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} على تأويل: إن تفعلوا ذلك يغفر لكم، وهذا كقوله عز وجل: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ} [محمد: ١٥] وهذه الكاف تدل على مبتدأ قبله ولم يجر له ذكر، وإنما جرى ذكر الجنة وصفتها، وكأنه قيل: أفمن هو في هذه الجنة كمن هو خالد في النار، فدل الجواب على الإبتداء.

الوجه الثالث: أن الكلام قد تم عند قوله: {إِنِّي مَعَكُمْ} ثم ابتدأ فصلًا آخر بقوله: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ} فجعله شرطًا، ثم أتى بجزائه في قوله: {لَأُكَفِّرَنَّ} فيكون هذا الشرط والجزاء بما يتضمنان من القصة ترجمة لقوله: {إِنِّي مَعَكُمْ} لأن قوله: {إِنِّي مَعَكُمْ} كلمة جامعة مجملة فصار ما بعده كالتفسير له.

وقوله تعالى: {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}.

قال أبو إسحاق: العَزْر في اللغة الردّ، وتأويل عزَّرت فلانًا أي أدَّبته، إنما تأويله: فعلت به ما يرده عن القبيح ويردعه، كما أن نكلتُ به: فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة. فتأويل {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} نصرتموهم بأن تردوا عنهم أعداءهم، ولو كان التعزيز هو التوقير لكان الأجود في اللغة


(١) انظر: "البحر المحيط" ٣/ ٤٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>