للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المفسرون: إن الله كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالاً وأخصبهم ناحية، فلما عصوا الله في محمد وكذبوا به، كف الله عنهم ما بسط عليهم من النعمة، فعند ذلك قالت اليهود: يد الله مغلولة، أي مقوضة عن العطاء على جهة الصفة بالبخل، وهذا قول الضحاك وعكرمة وقتادة والكلبي (١) واختيار الفراء والزجاج وابن الأنباري.

قال الفراء: أرادوا ممسكة عن الإنفاق، والإسباغ علينا (٢).

وقال الزجاج: أخبر الله عز وجل بعظيم فريتهم فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} أي: يده ممسكة عن الإسباغ علينا، كما قال الله جل وعز: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: ٢٩]، تأويله: لا تمسكها عن الإنفاق (٣).

وقوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}، أي جعلوا بخلاء وألزموا البخل، فهم أبخل قوم، فلا يُلقى يهودي أبدًا غير لئيم راضع بخيل. وهذا قول الزجاج (٤) وابن الأنباري، قال أبو بكر: وهذا خبر أخبر الله تعالى به ودل على أن هذين الأمرين وهما الغل واللعن قد نزلا بهم، والتقدير: فغلت أيديهم، أو وغلت أيديهم، فأضمر حرف العطف لأن كلامهم تم، وكان هذا كلامًا مستأنفًا يشبه أول الفصول، والعرب تحذف حروف العطف من رؤوس الآيات ومواضع الفصول نحو قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة: ٦٧] أرادت فقالوا، فأضمر


(١) "تفسير الطبري" ٦/ ٣٠٠، "بحر العلوم" ١/ ٤٤٧، "النكت والعيون" ٢/ ٥١، "تفسير البغوي" ٣/ ٧٦، "زاد المسير" ٢/ ٣٩١، "الدر المنثور" ٢/ ٥٢٥.
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٣١٥.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٨٩.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>