للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الإسراء: ٢٩]، وإذا كان ما حكى عن اليهود من هذا المراد به تبخيل الله تعالى عن ذلك فقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} رد لم افتروه وإبطال لما بهتوا فيه ونفي له، يدلك على ذلك عطفه بالحرف الدال على الإضراب عما قبله والإثبات لما بعده، فإذا كان المراد بالأول التبخيل والإمساك وكان هذا الثاني نفيًا للأول، وجب أن يكون المراد به إثبات النعمة التي أنكروها وادعوا أنها مقبوضة عنهم، فإنكاره على من قال: إن معنى {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} نعمته مقبوضة عني (١) هو الإنكار لما اعترف به، وقوله: وهذا القول خطأ ينقضه {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فيكون المعنى: نعمتاه مبسوطتان، ونعم الله أكثر من أن تحصى، فقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} لا يدل على تقليل النعمة وعلى أن نعمته نعمتان ثنتان ليس غيرهما, ولكنه يدل على الكثرة والمبالغة، وقد جاء التثنية يراد بها الكثرة والمبالغة وتعداد المَثْنَى، لا المعنى الذي يشفع الواحد المفرد، ألا ترى أن قولهم: "لبّيك" إنما هو إقامة على طاعتك بعد إقامة، وكذلك: "سعديك" إنما هو مساعدة بعد مساعدة، وليس المراد بذلك طاعتين ثنتين، ولا مساعدتين ثنتين (٢)، فكذلك الآية، المعنى فيها أن نعمته متظاهرة متتابعة، ليست كما ادعى من أنها مقبوضة ممتنعة، وهذا الذي ذكرناه في: "لبيك وسعديك" وأن المراد به الكثرة قول الخليل وسيبويه ومن وراءهما، فهذا وجه.

وإن شئت حملت المثنى على أنه تثنية جنس، لا تثنية واحد مفرد، ويكون أحد جنسي النعمة نعمة الدنيا والآخر نعمة الآخرة ونعمة الدين، فلا


(١) في النسختين: (عنا).
(٢) انظر: "النكت والعيون" ٢/ ٥١، "تفسير القرطبي" ٦/ ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>