للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشرح أبو علي كلام أبي إسحاق في هذه القراءة، فقال: (من نصب {نُكَذِّبَ} {وَنَكُونَ} أدخل ذلك في التمني؛ لأن التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض في انتصاب ما بعد ذلك كله من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء على تقدير ذكر مصدر الفعل الأول، كأنه في التمثيل: يا ليتنا يكون لنا رد وانتفاء التكذيب وكون من المؤمنين) (١)، فإن قيل على هذه القراءة: كيف أكذبهم الله، فقال: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، والتمني لا يدخله الكذب؟ قال ابن الأنباري: (أكذبهم في معنى التمني؛ لأن تمنيهم رجع إلى معنى نحن لا نكذب إذا رددنا، فغلّب عز وجل تأويل الكلام، فأكذبهم ولم يستعمل لفظ التمني؛ لأن القائل إذا قال: ليت لي مالاً فأتصدق به، يريد أنا أتصدق بالمال إذا وجدته وقدرت عليه، فمتى كذب أو صدق في حال التمني؛ فلأن الكلام راجع إلى معنى الإخبار) (٢).

وكان ابن عامر يرفع {وَلَا نُكَذِّبَ} وينصب {وَنَكُونَ}، وقد ذكرنا


(١) "الحجة" لأبي علي ٣/ ٩٤، وانظر: "المسائل المنثورة" ص ١٤٩، وهذا قول أكثر البصريين، انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٣، و"الجمل" للزجاجي ص ١٩٤، و"المشكل" ١/ ٢٥٠، و"البيان" ١/ ٣١٨، و"الفريد" ٢/ ١٣٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٧ - ٥٩٠.
(٢) ذكره ابن الجوزي ٣/ ٢٤، و"السمين في الدر" ٤/ ٥٨٨ مختصرًا وأكثرهم قال: (إن القول بأن التمني لا يدخله الكذب ليس بقوي؛ لأن هذا تمن تضمن معنى العدة، فجاز أن يدخله التكذيب، أو يكون قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} إخبار عن سجية الكفار وحكاية عن حالهم في الدنيا، فلا يدخل الكذب في التمني). قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٨٦: (هذان الجوابان واضحان، وثانيهما أوضح) ا. هـ وانظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٩٤، و"الكشاف" ٢/ ١٣، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩١ - ١٩٢، و"الفريد" ٢/ ١٣٨، و"البحر" ٤/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>