للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: إنهم لم يكذبوا في ذلك، ولو كذبوا في قولهم {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}، لقيل: {كَذَلِكَ كَذَّبَ} بالتخفيف (١)، ولكن المعنى: كما [كذبك هؤلاء] (٢)، كذب كفار الأمم الخالية أنبياءهم، ولم يتعرض لقولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}، ولكن قولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} لا يكون حجة لهم على أن ما هم عليه من الدين حق؛ لأن الأشياء كلها تجري بمشيئة الله تعالى، فلو كانوا على صواب؛ لأن ذلك بمشيئة الله تعالى لكان من خالفهم أيضًا وجب أن يكون عندهم على صواب؛ لأنهم أيضًا على ما شاء الله، فينبغي أن لا يقولوا إنهم ضالون، فبان أنه لا حجة لهم في قولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} وإن كان الأمر على ما قالوا؛ لأنهم تركوا أمر الله وتعلقوا بمشيئته، وأمر الله تعالى بمعزل عن إرادته؛ لأنه مريد لجميع الكائنات، غير آمر بجميع ما يريد، فعلى العبد أن يحفظ الأمر ويتبعه، وليس له أن يتعلق بالمشيئة بعد ورود الأمر [بما يجب عليه] (٣) الانتهاء إليه، وهذا معنى ما ذكره أبو إسحاق (٤) وغيره من العلماء (٥).


(١) القراءة المشهورة {كَذَلِكَ كَذَّبَ} بتشديد الذال، قال الطبري في "تفسيره" ٨/ ٧٩: (ولو كان ذلك خبرًا من الله عن كذبهم في قيلهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} لقال: (كَذَلِكَ كَذَبَ الذين من قبلهم) بتخفيف الذال، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله لا إلى التكذيب ..) ا. هـ، وانظر: "تفسير البغوي" ٣/ ٢٠١، وابن عطية ٥/ ٣٨٨، والرازي ١٣/ ٣٢٥.
(٢) لفظ: (كذبك هؤلاء)، ساقط من (ش).
(٣) في (ش): (بعد ورود الأمر لما يجب الانتهاء إليه).
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٢.
(٥) ومنهم: الطبري في "تفسيره" ٨/ ٧٨، ٧٩، والنحاس في "معانيه" ٢/ ٥١٣ - ٥١٤، والثعلبي في "تفسيره" ص ١٨٥ ب، والبغوي ٣/ ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>