للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه الثاني: أن الندم حدث يحصل في القلب (١)، وأثره يظهر في اليد؛ لأن النادم (٢) يعض يده ويضرب إحدى يديه على الأخرى، كقوله تعالى: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} [الكهف: ٤٢]. فتقليب الكف عبارة عن الندم؛ لأن من ندم على شيء قلب كفيه وصفق اليمنى على اليسرى تحسرًا على ما فعل.

ومن هذا أيضاً قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: ٢٧]، أي: ندمًا وتحسرًا على كفره بالله، فلما كان أثر الندم يحصل في اليد من الوجه الذي ذكرنا أضيف سقوط الندم إلى اليد؛ لأن الذي يظهر للعيون من فعل النادم هو تقليب الكف وعض الأنامل واليد، كما أن السرور معنى في القلب يستشعره الإنسان، والذي يظهر من حاله الاهتزاز والحركة والضحك وما يجري مجراه، والقراءة المشهورة {سُقِطَ} على ما لم يسم فاعله، وهذا الفاعل إذا ظهر لا بد من أن يكون الندم على ما ذكره الزجاج وغيره) (٣)، هذا الذي ذكرناه معنى كلامه، وبعض لفظه، وهو صحيح واضح لا غبار عليه.


(١) في (ب): (يحصل بالقلب).
(٢) انظر: "مجمع الأمثال" ٢/ ٣٣١.
(٣) لم أقف عليه عن الزجاجي في كتبه بعد طول بحث عنه وذكره الميداني في "مجمع الأمثال" ٢/ ٣٣١، عن الزجاجي مختصرًا، ونقله السمين في "الدر" ٥/ ٤٦٢ - ٤٦٣، وجعل الكلام في ذكر اليد من قول الواحدي، وقال الرازي في "تفسيره" ١٥/ ٨: (حكى الواحدي عن بعضهم أن هذا مأخوذ من السقيط، وهو ما يغشى الأرض بالغدوات شبه الثلج، ومعنى سقط في يده أي: وقع في يده السقيط والسقيط يذوب بأدنى حرارة ولا يبقى، فصار مثلًا لكل من خسر في عاقبته ولم يحصل من سعيه على طائل وكانت الندامة آخر أمره) اهـ. ملخصًا. وانظر: "جمهرة الأمثال" ٢/ ٢١٦، و"المستقصى" ٢/ ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>