للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أصحابنا (١): وهذه الآية دليل على أن القلوب بيد الله يقلبها كيف شاء، فإذا أراد الكافر أن يؤمن والله تعالى لا يريد إيمانه (٢) حال بينه وبين قلبه (٣) وإذا أراد المؤمن أن يكفر والله لا يريد كفره حال بينه وبين قلبه.


(١) يعني الأشاعرة، انظر: كتاب "تمهيد الأوائل" ص ٣١٨، و"الغنية" ص ١٢٧، و"تفسير الخازن" ٢/ ١٧٥، وهذا مذهب أهل السنة قاطبة. انظر: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" لأبي القاسم اللالكائي ٤/ ٥٧٨، و"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" ٨/ ٤٥٩، و"شرح العقيدة الطحاوية" ص ١٠٦ - ١٠٧.
(٢) يعني الإرادة الكونية المستلزمة لوجود المراد، أما من ناحية الإرادة الشرعية فإن الله تعالى يريد إيمان الكافر ولا يريد كفر المؤمن، كما قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: ٧].
وانظر تفصيل الإرادتين والفرق بينهما في: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" ٨/ ٤٤٠، ٤٧٥ - ٤٨٠، و"مدراج السالكين" للإمام ابن القيم ١/ ٢٧٥ - ٢٨١، و"شرح العقيدة الطحاوية" ص ٦٩، ٧٠.
(٣) الله جل جلاله لا يحول بين العبد وبين الإيمان إلا بسبب من العبد نفسه كما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: ٥]. وقال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: ١١٠]. وقال تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: ٢٦]. والله تعالى لا يظلم أحداً، وقد مكن العباد من الهداية والطاعة، كما مكنهم من الكفر والمعصية، قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا أراد العبد الطاعة التي أوجبها عليه إرادة جازمة كان قادرًا عليها، وكذلك إذا أراد ترك المعصية التي حرمت عليه إرادة جازمة كان قادرًا على ذلك، وهذا مما اتفق عليه المسلمون وسائر أهل الملل، ثم قال: فمن قال إن الله أمر العباد بما يعجزون عنه إذا أرادوه إرادة جازمة فقد كذب على الله ورسوله لكن مع قوله ذلك فيجب أن تعلم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن، وأن الله خالق كل شيء فهو خالق العباد وقدرتهم وإرادتهم وأفعالهم، فهو رب كل شيء ومليكه لا يكون شيء إلا بمشيئته وإذنه وقضائه وقدره. "مجموع الفتاوى" ٨/ ٤٣٧, ٤٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>