للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: ٢٠]، ولا يجوز: مالي قائمًا؟ وأنت تريد أن تستفهم عن غيرك، فإن أنت (١) عنيت نفسك جاز، مثل قولك: مالي ضعيف؟ أي: لِمَ أنا ضعيف؟ فقوله عز وجل: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: ٣٤] يكون معناه على ما رتبنا: لم لا يعذبهم الله؟ إلا أن اللام منقولة عن موضعها إلى غيره (٢)، و (أن) في قوله: {أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} زيادة مقحمة (٣)، ألا ترى أنه قال في موضع آخر: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: ٢٠] بلا (أن)، وقال: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: ١٠٤]، فزاد (أن)، ومنه قول الشاعر (٤):

مالك لا تذكر أم عمرو ... إلا لعينيك غروب تجري

ولو قال: مالك أن لا تذكر كان (أن) زيادة.


(١) ساقط من (م) و (س).
(٢) سبق قول أبي علي الجرجاني: ثم إنهم قدموا (ما) وأخروا اللام واللام لا تقوم بنفسها إلا مضافة إلى شيء اهـ، وهو يعني هنا: أن اللام في قوله تعالى: {مَا لَهُمْ} نقلت عن موضعها وأخرت عن (ما) إذا الأصل: لِمَ، ثم أضيفت اللام إلى الاسم المستفهم عنه فصارت الكلمة: مالهم، ثم زيدت (أنَ)، فإذا أعدنا الكلمة إلى أصلها، وحذفنا الزيادة، صارت الجملة: لم لا يعذبهم.
(٣) ذهب الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ٣٤٩ أيضًا إلى القول بزيادة (أن) وقد رد عليه النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٦٧٥ بقوله: لو كان كما قال لرفع (يعذبهم) و (أن) في موضع نصب، والمعنى: وما يمنعهم من أن يعذبوا، فدخلت (أن) لهذا المعنى اهـ. والجدير بالتنبيه أن قول بعض النحاة عن شيء في كتاب الله: زيادة مقحمة، مما ينافي الأدب مع القرآن إذ العبارة توحي بأن هذا اللفظ مما لا فائدة له، والحق أنه ما من لفظ في كتاب الله إلا جيء به لمعنى، كالتوكيد أو الإشارة إلى معنى خفى.
(٤) لم يتبين لي من هو، والرجز بلا نسبة في "تهذيب اللغة" (غرب) ٣/ ٣٦٤٣. و"لسان العرب" (غرب) ٦/ ٣٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>