للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الفراء (١): "لا جرم" كلمة كانت في الأصل بمنزلة (٢) (لا بد) و (لا محالة)، فكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة (حقا)، ألا ترى أن العرب يقول: لا جرم لآتينك، فتراها بمنزلة اليمين، وكذلك فسرها المفسرون (٣) في قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ} حقا (٤)، انتهى كلامه، وعلى هذا معنى {لَا جَرَمَ} أي لا قطع قاطع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون، إلا أنه كثر حتى صار كالمثل، فإذا قالوا: لا جرم، فكأنهم قالوا: حقًا، والأصل مما ذكرنا، ووضع موضع القسم في قولهم: لا جرم لأفعلن كذا، كما قالوا: حقًا لأفعلن، إذ جعلوه بدلاً من اليمين، وهذا قول في هذه الكلمة.

وقال الزجاج (٥): معنى لا جرمِ: (لا) نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى: لا ينفعهم ذلك، {جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} أي: كسب ذلك الفعل لهم الخسران، وذكرنا {جَرَمَ} هو بمعنى كسب في قوله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} (٦).

قال الأزهري (٧): وهذا من أحسن ما قيل فيه.

قال ابن الأنباري: (جرم) على هذا القول فعل ماض، وفاعله مضمر


(١) "معاني القرآن" ٢/ ٨.
(٢) ساقط من (ي).
(٣) انظر: الطبري ١٢/ ٢٣، البغوي ٤/ ١٦٩، ابن عطية ٧/ ٢٦٦ - ٢٦٨، "البحر المحيط" ٥/ ٢١٢، الرازي ١٧/ ٢٠٨، القرطبي ٩/ ٢٠.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٤٦.
(٦) المائدة: ٢. قال هنالك: وأكثر أهل اللغة والمعاني يقولون: لا يكسبنكم، ونقل ذلك عن جماعة منهم الفراء وابن الأنباري وأبو علي الفارسي وغيرهم.
(٧) "تهذيب اللغة" ١/ ٥٨٧ - ٥٨٨ (جرم)، قال: "وهذا من أبين ما قيل فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>